مع اقتراب الحرب من نهاية شهرها الحادي عشر على التوالي، بات النازحون ممن يقيمون في مخيمات النزوح المنتشرة جنوب ووسط القطاع، يعيشون حياة صعبة، وسط أزمات متتالية لا تتوقف.
فنحو 1.5 مليون نازح يعيشون في خيام بالقطاع، ويتعرضون للنزوح المستمر، والجوع، والمرض، ويواجهون أزمات تفتك بهم.
حفاة على أرض مُلوثة
ومنذ بدء العدوان منع الاحتلال وبشكل كامل دخول الأحذية للقطاع، الأمر الذي تسبب بنفاذ المتواجدة في الأسواق، وتلف الأحذية في أرجل المواطنين، حتى بات مشهد سير الناس حفاة من المشاهد المألوفة داخل القطاع.
ويقول النازح سمير سلطان، وقد نزح من مدينة غزة قبل نحو 9 شهور، إنه حصل في شهر نيسان/ابريل الماضي على زوجين من الأحذية ضمن طرد صحي تسلمه حين كان يقيم في مدرسة إيواء بمحافظة رفح، وقد نزح وهو يرتديهما وزوجته، وأقاما في خان يونس، وكل يوم يتحركان وهما يرتديانهما، حتى تلفا تماماً ولم يعد بالإمكان إصلاحهما.
وبين أنه بحث في كل السوق عن أحذية حتى ولو مستعملة فلم يجد، وأحد أبنائه يمشي حافي القدمين، والآخر يرتدي حذاء بالي، وهذا يعرضهم للأمراض، والجروح باستمرار، ويتسبب بتشقق في القدمين، وخشونة في الكعبين.
بينما قال المواطن وائل عبد الرحمن، إنه خاطر بحياته، وعاد لمنزله شمال رفح، من أجل جلب أحذية قديمة لأبنائه، اللذين ظلوا لأسبوعين كاملين يسيرون حفاة على الرمال الساخنة في مخيم النزوح بمواصي خان يونس.
وأكد عبد الرحمن لـ"فلسطين بوست"، أنه وحتى يحافظ على الأحذية التي جلبها من رفح، قامت زوجته بتركيب نعل من القماش، كما صمم ما يشبه "المخرز"، واشترى خيوط قوية، وقام بحياكتها، ويعمل على صيانتها باستمرار، وبطلب من أبنائه تقليل تحركاتهم بها، وعدم السير على مياه الصرف الصحي التي تملأ الشوارع، وتجنب السير على الركام، من أجل الحفاظ على الأحذية التي باتت مفقودة.
وأشار إلى أن عواقب اختفاء الأحذية صعبة، وتتسبب بمشكلات صحية لا حصر لها، وقد تكون مصدراً للعدوى بأمراض خطيرة، خاصة أن التلوث يملاً المخيمات، فأي جروح أو ندوب في الأرجل التي يسير أصحابها حفاة، من الممكن أن تكون سبباً مباشراً في دخول جراثيم وفيروسات الجسم، ونقل أمراضاً خطيرة، مثل شلل الأطفال، أو التهابات جرثومية.
البحث عن ملابس
وإلى جانب منع الأحذية، حظر الاحتلال دخول الملابس بشتى أنواعها إلى القطاع، وكذلك الأغطية والفراش، ما فاقم معاناة النازحين، لاسيما في ظل تقليص كميات المساعدات التي تصل لغزة إلى أدنى حد ممكن، منذ احتلال معبر رفح، والسيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية.
وبات مواطنون يشاهدون وهم يرتدون ملابس شبه بالية، والنساء لا تجد سوى "أثواب الصلاة لترتديها وتتنقل بها، بينما الأطفال يرتدون ملابس ممزقة وقديمة، وفي بعض الاحيان ملابس شتوية في ذروة فصل الصيف، نظراً لأن ذويهم لم يجدوا لهم ملابس مناسبة.
وأكد المواطن سامي سعد الدين، إنه خرج وعائلته من بيتهم غرب رفح تحت وقع القصف والقذائف، وكل همه كان النجاة بهم من نيران الاحتلال، وبالكاد استطاعوا جلب الأوراق الثبوتية، وبعض الحاجيات المهمة، حيث وصلوا إلى مواصي خان يونس بالملابس التي عليهم.
وبين سعد الدين لـ"فلسطين بوست"، أن رحلة النزوح طالت، وأبنائه بحاجة لملابس، لكن الأسواق خالية، وقد بدأ رحلة بحث واستطاع بصعوبة شديدة توفير ملابس لبعضهم، ولم يجد للآخرين.
وأوضح، أن نقص الملابس تسبب بأزمة كبيرة لأسرته، فزوجته تضطر لغسل الملابس ونشرها في الشمس وترك أطفاله شبه عراة في الخيمة حتى تجف ليقوموا بارتدائها من جديد.
ولفت إلى أنه يتمنى أن يعود لبيته ولو ساعة واحدة، ويجد المنزل مازال قائماً، حتى يجلب الملابس والأحذية لأبنائه، ويخفف معاناتهم.
وقالت المواطنة أم محمود جبريل، إن زوجة ابنها تستعد لوضع مولودها الثاني خلال أسبوعين على حد أقصى، وهي تواجه مشكلات كبيرة في تجهيز المولود، على عكس المولود الأول الذي وضعته قبل عامين، حيث كانت العائلة في حالة فرح، وجرى تجهيز احتياجاته قبل قدومه، وإقامة احتفال عند بلوغه من العمر أسبوع واحد.
وأشارت جبريل إلى أن الأسواق خالية من ملابس الأطفال والمواليد، وحال وجدت أسعارها عالية جدا، وثمة اختفاء لمواد التنظيف الخاصة بالأطفال مثل "الشامبو"، و"البودرة"، وغيرها من الأشياء التي تُعد ضرورية، فحتى وعاء استحمام الطفل "طشت"، غير موجود في الأسواق.
وأشارت إلى أنها اضطرت للبحث عن ملابس مواليد قديمة عند أقاربها، وبدأت بتجميع بعضها، وتستمر بالبحث عن باقي الاحتياجات، ويستعدون لاستقبال الطفل في ظل أصعب ظروف يوجهونها.
خيام تتمزق
وأدى طول فترات النزوح، والإقامة في الخيام التي وصلت لدى بعض العائلات إلى 9 أشهر، إلى تلف وتآكل قماش الخيام، وتمزقه، ما تطلب إما استبدالها، أو إجراء صيانة لها، عبر تغيير القماش، وهذا يبدو صعباً في ظل ظروف الحصار الحالية.
ويشاهد نازحون يقومون بمحاولة تأهيل وإصلاح الخيام باستمرار، إما عبر حياكتها، وإغلاق الثقوب، أو من خلال وضع قطع من القماش، والجلد فوقها.
وقال المواطن مجدي عيد، إنه حصل على خيمة في شهر فبراير/شباط الماضي، وقام بنصبها في مناطق غرب رفح، ومر شتاء كامل، وفصل ربيع، قبل أن ينزح وعائلته إلى مواصي خان يونس، وينقل معه خيمته، وها هو فصل الصيف على وشك الانتهاء ومازال في الخيمة.
وبين عيد لـ"فلسطين بوست"،أن أشعة الشمس، والرطوبة العالية أدت إلى تلف الخيمة، وتمزقها، وزوجته يومياً تقوم بحياكتها، حتى أصبحت بالية تماماً، لافتا إلى أنه توجه للسوق لشراء قطع من القماش لصيانة الخيمة، لكنه فوجئ بأسعارها الخيالية، التي تفوق قدرته على شرائها، بينما وصل ثمن الخيمة الجديدة إلى 3000 شيكل، وهي خيام سُرقت من شاحنات المساعدات.
ولفت عيد إلى أنه لكما مر وقت أطول، وتعرضت الخيمة لأشعة الشمس فترات أطول زادت الأضرار فيها، حتى تصبح تالفة تماماً، وغير صالحة للاستعمال أو المبيت فيها، لافتا إلى أن الخيام التي جرى جلبها لقطاع غزة، هي خيام مخصصة لرحلات سفاري، أو رحلات تخييم، تستمر أسابيع كحد أقصى، أما أن تصبح بيت دائم، فبالتأكيد لن تصمد لفترات طويلة، خاصة في ظل الجو الصعب والقاسي، ودرجات الحرارة المرتفعة، وسطوع الشمس ساعات طويلة.
بينما قال المواطن أشرف عثمان، إن جميع الخيام التي يعيش فيها النازحين حالياً لا تصلح بالمطلق لاستقبال فصل الشتاء، فحال قدومه ستزيد معاناة النازحين، وسيتعرضون للغرق، خاصة المقيمين على شاطئ البحر.
وأضاف عثمان لـ"فلسطين بوست"، أنه لا يعلم ماذا يفعل، وكيف سيواجه الشتاء القادم في خيمة بالية، خاصة أن التوقعات تشير لاستمرار الحرب، وحتى لو انتهت لا يوجد مكان يمكن أن يقيم فيه بعد تدمير منزله، فالخيمة ستكون بيته لسنوات قادمة.
كتب: محمد الجمل