بات واضحاً أن تطورات الحرب المستمرة على قطاع غزة للشهر الحادي عشر على التوالي، دخلت منعطفاً جديداً وخطيراً، بعد الدخول المفاجئ للاتحاد العمالي الأهم والأكبر في إسرائيل "الهيستدورت""، على خط الاحتجاجات، وإعلانه الإضراب اليوم، ما تسبب بشلل للحياة العامة في إسرائيل، بما في ذلك المطارات، الموانئ، القطارات، المتاجر وغيرها.
وتزامن حراك "الهيستدورت"، مع أوسع تظاهرات تشهدها إسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة، إذ قُدر عدد المتظاهرين المشاركين في احتجاجات عامة، تطالب بإنهاء الحرب، واسقاط الحكومة، وابرام صفقة رهائن، بأكثر من نصف مليون متظاهر، وقد سبق ذلك كله تصريحات علنية لقادة إسرائيليين من بينهم وزير الدفاع "يوآف غالانت"، هاجم من خلالها حكومة نتنياهو، وطالب بعقد صفقة فورية، مؤكدا أن تمسك "بن يامين نتنياهو"، بمحوري نتساريم وفيلادلفيا، هدفه عرقلة الاتفاق، واستمرار الحرب، من اجل حسابات شخصية، فبحسب ادعاء "غالانت"، لا يوجد أي حاجة عملياتية إسرائيلية للبقاء في هذين المحورين.
حراك يتسع
وانضم زعيم المعارضة الاسرائيلية "يائير لابيد"، إلى الأصوات المنادية بإضراب عام، ودعا لعقد جلسة خاصة للكنيست لمناقشة صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
"وحمّل لابيد" نتنياهو ومجلس الوزراء مسؤولية مقتل الرهائن الستة في قطاع غزة، مشيرا إلى أن "هناك رهائن على قيد الحياة، ولا تزال هناك فرصة لإبرام صفقة... نتنياهو يمتنع عن ذلك لأسباب سياسية".
وجاء موقف "لابيد" بعد دعوة "منتدى الرهائن والمفقودين" وعائلاتهم إلى إضراب عام احتجاجاً على غياب صفقة لتحرير الرهائن المتبقين.
وأيد هذه الدعوة "منتدى الأعمال الإسرائيلي" الذي يمثل غالبية العاملين في القطاع الخاص من 200 شركة كبرى في اسرائيل، بحسب "تايمز أوف إسرائيل".
وفي رسالة وجهها إلى رئيس الكنيست، "أمير أوحانا"، طالب لابيد بعقد جلسة "طارئة" للهيئة العامة، لـ"مناقشة ضرورة التوصل إلى صفقة لإنقاذ الرهائن الأحياء، بحضور رئيس الوزراء".
وختم لابيد قائلا: "كان بالإمكان تفادي مقتلهم، وكان من الممكن التوصل إلى صفقة، هناك أغلبية تؤيد مثل هذه الصفقة بين الشعب، وهناك أغلبية تؤيدها في الكنيست".
"قلق على البقية"
وأشار مقال تحليلي لصحيفة "هآرتس" العبرية، إلى القلق المتزايد في صفوف الإسرائيليين بشأن سلامة الأسرى المتبقين في القطاع، إذا لم يتم التوصل لصفقة وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أنه تم العثور مؤخراً على جثث لرهائن في غزة، مع دلائل تشير إلى مقتلهم على يد خاطفيهم.
ويوضح تحليل الكاتب، "عاموس هاريل"، أن المؤسسة الدفاعية في البلاد، تحذر أيضا من أن حياة الرهائن "معلقة بخيط رفيع"، مع تزايد المخاوف من تعرضهم للأذى، سواء على يد خاطفيهم أو خلال أي محاولة لإنقاذهم.
من جهته، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب اشتيرن، إن العثور على الجثث، مع المعلومات التي تؤكد مقتلهم قبل تحريرهم، "يثير موجة غضب وضجة كبيرة في صفوف عامة الشعب الإسرائيلي".
واعتبر التحليل أن قرار نتانياهو بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا على حدود غزة ومصر، رغم معارضة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، يشير إلى أنه "لا يرغب في إبرام صفقة لتبادل الأسرى حالياً، وما زال في اعتقاده بأن الضغط المستمر على حماس قد يؤدي إلى تنازلات في المستقبل".
وجدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت أمس الأحد، دعوته المجلس الوزاري المصغر إلى إعادة النظر في قرار الإبقاء على الوجود الإسرائيلي على طول محور فيلادلفيا بغزة، في أعقاب العثور على جثث الرهائن.
ثلاث سيناريوهات متوقعة
وأجمع أغلب المحليين السياسيين والمراقبين لتطورات الحرب على قطاع غزة، بأن ثمة 3 سيناريوهات متوقعة للفترة المقبلة، بعد تصاعد الاحتجاجات ضد نتنياهو، أولها رضوخ نتنياهو والاستجابة للمطالب، والدخول في صفقة وانهاء الحرب، وهذا سيكلفه ثمن سياسي كبير، كتفكيك حكومته، وتشكيل لجان تحقيق لمحاسبته على إخفاقات الحرب وما حدث في السابع من أكتوبر.
والخيار الثاني يتمثل في التحايل على الحراك واحتوائه، وهذا يبدو مستبعداً نظراً لدخول قوى سياسية وعمالية قوية ضمن الحراك، وانضمام سياسيين، وبرلمانيين، ونخب للحراك، الذي قد يأخذ شكلاً أكثر زخما.
والخيار الثالث هو إجبار نتنياهو على حل الحكومة والدعوة لانتخابات مبكرة، وهذا التراجع سيجبره على قبول الصفقة، وقد تكون فرصه في العودة للحياة السياسية ضعيفة، ويفتح الباب واسعاً أمام محاسبته، وهو الأمر الذي يخشاه نتنياهو، ولن يصل إليه بسهولة.
نتنياهو قد يحرق السفن
لكن المحلل والكاتب محمد القيق تحدث عن خيار رابع يبدو أكثر خطورة على الجميع، وهو أن يلجأ نتنياهو لما يعرف بـ (إحراق السفن)، عبر اختلاق حدث كبير يدخل اسرائيل في دائرة الخطر أو الحرب، كفتح جبهة جديدة، أو ارتكاب مجزرة في لبنان تقود لحرب واسعة، ما يجبر الجميع على العودة لبيوتهم ووقف احتجاجاتهم، كما حدث حيث ضرب مبنى السفارة الإيرانية في دمشق في ذروة حدوث حراك مماثل..
وقال القيق: " الضغط الكبير الذي سيواجه نتنياهو شعبياً واقتصادياً وسياسياً، من الشارع لإتمام صفقة تبادل، سيدفعه نحو خطوة تحرق سفنا جديدة، بتصعيد غير متوقع ومفاجئ في مكان ما، أو بمجزرة كبيرة، أو باغتيال كبير، حتى يعيد الجميع إلى بيته ويخمد التحركات ضده."مضيفاً أن التنازل والهزيمة الآن سينعكسان سلبا على عملياته في الضفة، والردع في الشمال وغزة.
تشدد في المواقف
وقابل وزراء حكومة نتنياهو المتطرفين الحراك الاوسع في اسرائيل بمهاجمته، ومهاجمة القائمين عليه، واتهامهم بأنهم يعملون من أجل خدمة حركة "حماس"، ووفق محليين فإن هجوم الوزراء يحمل في طياته أبعاد كثيرة،
ويؤكد خطورة الحراك عليهم، فإذا ما تم إقصائهم واسقاط حكومتهم، فإن حظوظ عودتهم للحياة السياسية، أو على الأقل لتكتلات حكومية قادمة أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، فسيجري بالتأكيد تحميلهم مسؤولية الفشل.
متطرفون يهاجمون الحراك
وشن وزراء حكومة الاحتلال هجوماً على وزير الحرب يوآف غالانت، واتّهموه بالخضوع لحماس، بحسب قناة "كان".
وأفادت التقارير الإعلامية بأنه لدى مطالبة غالانت، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بمزيد من المرونة في المفاوضات لإنقاذ الأسرى الذين بقوا على قيد الحياة، أجاب نتنياهو بأن «المرونة مطروحة، لكن ليس في قضية محور فيلادلفيا الذي يشكّل "أنبوب أوكسيجين لحماس"، مضيفاً أن إلغاء قرار المجلس الأمني بشأن بقاء قوّاتنا فيه يُعتبر "جائزة للإرهاب"، على حد قوله.
وعبّر نتنياهو عن تمسّكه بموقفه بخصوص المفاوضات، وقال: "أنا أقود في طريق صحيحة"، فيما قالت القناة 13 العبرية إن وزير المالية المتطرّف، "بتسلئيل سيموتريتش"، قال لنتنياهو،: "حماس تريد منا أن نستسلم، لا يمكنك أن تأخذ دولة بأكملها رهينة، إذا استجبنا لمطالب حماس كما يريد الوزير غالانت، فإننا نكون قد خسرنا الحرب".
ومن جهته، هاجم وزير الخارجية، "يسرائيل كاتس"، وزير الحرب "غالانت"، بسبب "التغريد بآرائه" على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال إنه "عندما يتّخذ الكابينت قراراً، فعلى الوزراء إظهار التضامن والوقوف خلف القرار".
وفي مقابل التظاهرات الحاشدة التي شهدتها تل أبيب، مساء أمس، والتي قدّرت وسائل الإعلام أن عدد من فيها بلغ 500 ألف أطلق وزراء الحكومة حملة للتشويش عليها، ومحاولة منع الإضراب المقرر اليوم.
وطالب سيموتريتش، المستشارة القضائية للحكومة، بـإلغاء الإضراب الذي أعلن عنه رئيس الهيستدورت". كما أصدر قراراً بمنع الإضراب في المرافق التابعة لوزارة المالية، وهدّد بمحاسبة من سيشارك في الإضراب من الموظّفين.
ونشرت "كتائب القسام"، أمس، مقطع فيديو يظهر صوراً للأسرى الذين قُتلوا، مع تعليق يفيد بأن نتنياهو يصنع في غزة عشرات من (الأسير الإسرائيلي المفقود في لبنان) رون أراد، كما نشرت "القسام" صورةً للأسرى مكتوباً عليها: «نتنياهو اختار محور فيلادلفيا بدلاً من تحرير الأسرى.
كتب: محمد الجمل