فوجئ نازحون بأمطار غزيرة تهطل على مناطق متفرقة في القطاع، خاصة غرب محافظتي خان يونس ووسط القطاع، صباح الأحد الماضي، متسببة بغرق خيام النازحين، ومعاناة كبيرة للمتواجدين داخل المخيمات.
الأمطار المذكورة جاءت مبكراً، وبشكل مفاجئ، لكنها كانت شاملة على جميع المخيمات داخل ما يسمى "المنطقة الإنسانية"، وأسهمت في تعميق معاناة النازحين.
إنذار مبكر
وكانت الأمطار التي هطلت لنحو 40 دقيقة في مخيمات النزوح جنوب ووسط قطاع غزة، بمثابة إنذار مبكر، لتحذير النازحين من مخاطر الشتاء المقبل، وتوضح الخلل في الخيام، والمناطق المنخفضة.
فقد كشفت موجة الأمطار القصيرة مشاكل الخيام، وأظهرت بشكل واضح أماكن تجمع السيول، والمناطق الأكثر عرضة للغرق، خاصة غرب خان يونس.
لكن ورغم أن الأمطار كشفت عن كامل المشكلات، إلا أن علاجها لا يبدو أمراً هينا، في ظل فقر النازحين، وندرة الخيام والشوادر، وارتفاع أسعارها على نحو كبير، وعدم وجود بدائل للمناطق الأكثر انخفاضاً.
ويقول المواطن النازح أحمد فرج، إنه وبعد أقل من 3 دقائق من بدء هطول الأمطار غرقت خيمته بشكل كامل، فسطحها وجوانبها من القماش البالي، وقد توجه إلى السوق لجلب شوادر يغطي خيمته، فوجد ثمن الشادر الواحد طول 6 أمتار في عرض 4 أمتار، يتجاوز 500 شيكل، وهو بحاجة إلى 4 شوادر، وكمية من الخشب، وغيرها من المتطلبات، ما يعني أنه بحاجة لأكثر من 2500 شيكل حتى تصبح خيمته مقاومة للمطر.
وأكد أنه اتجه لشراء خيمة جاهزة، فوجد أسعارها تتراوح ما بين 2000-5000 شيكل، وهذا مبلغ يفوق قدراته بكثير، داعياً الجهات الإغاثية المحلية منها والدولية، بالعمل على توفير احتياجات النازحين على وجه السرعة، ومساعدتهم لتلافي غرق خيامهم خلال وموجات الأمطار القادمة.
بينما قال المواطن النازح أحمد الزاملي، إن مشكلته لا يمكن حلها من خلال شادر أو قطع من النايلون، فهو يعيش في منطقة منخفضة تتشكل فيها السيول بعد 20 دقيقة من بدء هطول الأمطار، وقد غرقت خيمته وخيام جيرانه، ومنذ يومين يبحث عن مكان مناسب يضع فيه خيمته، ولم يجد.
وأكد الزاملي أن وضع آلاف النازحين مزري وصعب، فالكثير من خيام النازحين أقيمت في مناطق منخفضة، خاصة في مواصي خان يونس، ولا يوجد مكان يمكن أن يلجأ الناس إليه، في ظل الاكتظاظ الكبير بالنازحين، موضحاً أن أكثر من نصف مواصي خان يونس هي مناطق منخفضة، وبعضها تشبه الحفر، والناس يقيمون فيها في ظل أوضاع إنسانية كارثية.
وبين أن جاره في الخيمة بمنطقة المواصي، فضل العودة إلى بيته المتضرر شرق خان يونس، على البقاء في الخيمة المعرضة للغرق، وهو يفضل الموت برصاص وقذائف الدبابات والطائرات، على أن يموتوا أطفاله غرقاً داخل خيمة بالية، قد تجرفها السيول في أية لحظة.
يغامرون بحياتهم لتوفير أغطية وفراش
وبات الشتاء يُمثل كابوس مرعب للنازحين في مواصي خان يونس، فأكثر من 90% من الخيام بالية لا تقاوم المطر، والناس لا تمتلك أغطية ولا فراش، ولا حتى ملابس شتوية.
وأكدت المواطنة أميرة أبو جليلة أن ثلاثة من أشقائها واثنين من أبناء خالهم استشهدوا من أجل توفير احتياجات الأسرة، موضحة أنه في البداية توجه شقيقها وابن خالها إلى حي تل السلطان، لجلب ملابس وأحذية، وأغطية، وفُقدت آثارهما لمدة تزيد على 3 أسابيع، بعدها تعرف على جثمانيهما المتحللين بعض الشبان ممن وصلوا إلى الحي، من خلال ملابسهما، فتوجه اثنين من أشقائها، وابن خالها الآخر لجلب الجثمانين، وفقدوا جميعاً بعد تعرضهم لغارة في محيط مسجد النور في الحي، واستشهد الثلاثة، ولم يتم انتشالهم حتى الآن، رغم مرور شهرين على الحادثة، وسط مخاوف من أن يكون الاحتلال سرق جثامينهم.
وأكدت أنهم كانوا يعلمون بخطورة التوجه لحي تل السلطان في هذه الظروف، لكن حاجة الأسرة كانت كبيرة، وقد اضطروا للتوجه إلى هناك، من أجل جلب الاحتياجات الضرورية، ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك.
ولم تسلم حتى النساء من الاستهداف، إذ قصفت طائرات الاحتلال 4 سيدات من عائلة العرجا في حي التنور أوائل الشهر الجاري، وهن سيدة وابنتيها، وشقيقة زوجها، خلال محاولتهن العودة للمنزل لجلب بعض الاحتياجات الضرورية.
بينما قال المواطن خليل ياسين، إنه بحاجة لأغطية وملابس شتوية، لم يحضرها معه حين نزح من رفح، ظناً منه بأن رحلة النزوح ستكون قصيرة، وهو بات يفكر بجدية بالعودة لمنزله في مناطق شرق رفح لجلبها، فلا يوجد خيار آخر أمامه، وسيخاطر بحياته من أجل ذلك، لكنه يحاول تحين فرصة مناسبة، مثل حدوث هدوء، أو علمه بوجود حركة في المنطقة التي يقطن فيها، ثم سيتوجه للبيت.
البحث عن ملجأ آمن
وينشغل النازحون في البحث عن ملجأ آمن، إذ سارع الكثيرون بترك المناطق التي يقيمون فيها فراراً من الشتاء القادم، ومن بينهم المواطن محمود صلاح، الذي عاد للإقامة في منزله ببلدة خربة العدس شمال محافظة رفح، رغم خطورة المنطقة، وتكرار تعرضها للقصف والغارات، لكنه لا يمتلك بديلاً سوى التوجه للبيت في ظل الوضع الحالي.
بينما قال المواطن محمود حجازي، إنه غادر خيمته وتوجه للإقامة في مدرسة إيواء، ليتقاسم وشقيقه غرفة فصلية، يقيم الأخير فيها منذ عدة أشهر، موضحاً أن غياب أي مكان آمن في فصل الشتاء، جعله وشقيقه يقبلون العيش في الفصل الدراسي رغم علمهم المسبق بخطورة مراكز الإيواء التي تتعرض للقصف بشكل مستمر، حيث المجازر الواسعة التي حدثت فيها، لكن الإقامة بين جدران أهون من التواجد في العراء تحت المطر.
من جهتها أكدت مديرة الإعلام والتواصل في وكالة الغوث الدولية "الأونروا، "جولييت توما"، أن الظروف المعيشية تزداد صعوبة في غزة مع بداية فصل الخريف، وهناك حاجة إلى المزيد من الملاجئ والإمدادات لمساعدة الناس على مواجهة الشتاء القادم."
وقالت توما: " مع هطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، من المرجح أن يُصاب الناس بالمرض، وخاصة الأطفال الذين هم الأكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد.
مناشدات
وتلقت الجهات الإغاثية والخدماتية عشرات المناشدات من مواطنين نازحين، من أجل المساعدة في توفير خيام، وشوادر وغيرها من المستلزمات، إذ قال الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، إن الجهاز تلقى مئات المناشدات من العائلات النازحة في مختلف مناطق قطاع غزة تطالب بتوفير خيم أو شوادر تقيهم من مياه الأمطار.
وطالب بصل المنظمات والمؤسسات الإنسانية الاستجابة لنداءات المواطنين النازحين وتقديم المساعدة العاجلة بإدخال الخيم والكرفانات البلاستكية قبل تعرضهم لكوارث الغرق والموطنين.
الاحتلال يعمق المأساة
وعلمت "فلسطين بوست"، من عدة مصادر أن ثمة عشرات الآلاف من الخيام والشوادر متواجدة على معبري رفح وكرم أبو سالم، وأن الاحتلال يرفض إدخالها، ويسمح بدخول كميات محدودة منها على فترات زمنية متباعدة، ما يعمق الازمة.
وأكد مصدر في العمل الإغاثي لـ"فلسطين بوست"، أن الاحتلال تعمد التسبب بالأزمة الحالية من خلال إطالة مدة عملية رفح البرية عن عمد، وعدم السماح للنازحين بالعودة إلى بيوتهم، وبقائهم في مخيمات النزوح، بالتزامن مع استمرار منع وصول الخيام والشوادر، والاغطية، وغيرها من لوازم الشتاء الأخرى.
وأوضح المصدر ذاته أن العوامل المذكورة مجتمعة تسببت بتفاقم معاناة النازحين، وتنذر بكوارث في فصل الشتاء الذي بات على الأبواب، وثمة مخاوف حقيقية لدى الجهات الإغاثية من حدوث وفيات في صفوف النازحين، بسبب الأمطار والبرد، وهناك محاولات للضغط على الاحتلال من أجل السماح بوصول تلك الاحتياجات بشكل عاجل.
كتب: محمد الجمل