ثمة حرب شرسة يشنها الاحتلال على المواطنين في قطاع غزة، منذ قرابة العام، عبر القتل والمجازر، والتدمير، والتجويع، وتكرار النزوح، وإجبار النازحين على الإقامة في خيام بدائية غير قابلة للحياة، وخلق بيئة مواتية لانتشار الأوبئة والأمراض.
ورغم خطورة هذه الحرب، التي باتت تصنف على أنها حرب إبادة جماعية، إلا أن ثمة حرب أخرى تدور في الخفاء، ربما تكون أكثر خطورة، وهي حرب استخباراتية تجسسية، يخوضها الاحتلال بكل قوة ودون توقف، مستخدماً خلالها كل أساليب التجسس والاستخبارات المتطورة، بما فيها الطائرات المسيرة، وزرع أجهزة تجسس، ومحاولة تجنيد العملاء، واستخدام برامج التعرف على الوجوه، وغيرها من الوسائل.
جهد استخباراتي مكثف
ووفق مواطنون ونازحون فإن الاحتلال يطلق أكثر من نوع من الطائرات المسيرة، فوق المنازل والخيام كل يوم، ويزيد نشاط هذه الطائرات خلال الليل.
وقال المواطن النازح إبراهيم المصري، إنه كان نائماً في خيمته برفقة عائلته وسط مخيم مكتظ بالنازحين، وفجأة سمع دوي مراوح، وبدأت خيمته تهتز، فأخرج رأسه من الخيمة، وإذا بطائرة "كواد كابتر"، تُحلق على مسافة أقل من4 متر من سطح الأرض، وراقبها فلاحظ أنها تتنقل من خيمة لأخرى، وتقف فوق الخيام بشكل عمودي لعدة دقائق قبل الانتقال، ومن ثم تحركت باتجاه مخيم آخر.
وأكد المصري لـ"فلسطين بوست"، أنه في معظم الليالي يسمع نفس الصوت، ويُدرك أنها طائرات تجسس تحوم فوق المخيم، بهدف التجسس، أو التصوير، لمعرفة من يتواجدون داخل الخيام، وربما التنصت على أحاديثهم.
بينما قال المواطن النازح أشرف عيد، إنه يُشاهد طائرات مُسيرة أشكال وألوان تحوم في الأجواء، بعضها كبيرة، وأخرى صغيرة، وبعضها تحلق بدون صوت، وأخرى بصوت مرتفع.
وأكد عيد لـ"فلسطين بوست"، الاحتلال يبذل جهد استخباراتي كبير جداً في قطاع غزة، والمُسيرات إحدى طرق جمع المعلومات، خاصة طائرات "كواد كابتر"، التي باتت تتخذ من مخيمات النزوح المكتظة مكاناً مفضلاً للعمل، لاسيما في ساعات الليل، حيث تُحلق في جنح الظلام، حتى لا يكتشفها أحد.
وأشار إلى أنه وقبل نزوحه من محافظة رفح، شاهد طائرة مُسيرة، تقف بشكل عمودي أمام نافذة منزله، وشاهد أخرى تمر من فوق منازل المواطنين ويتدلى منها حبل في نهايته جهاز صغير، وكأنه لاقط صوتي "مايك"، ربما كانت متجهة لزرعه في مكان ما.
ضبط أجهزة تجسس
وأعلن مصدر أمني في المقاومة، أن الأخيرة ضبطت مؤخراً أجهزة تجسس "إسرائيلية" مزروعة بين خيام النازحين في أحد مراكز الإيواء جنوب القطاع.
وبحسب ضابط في أمن المقاومة، فإن مخابرات الاحتلال قامت بتمويه أجهزة التجسس المضبوطة بأشكال مختلفة، بحيث تظهر كأنها جزء من البيئة المحيطة والطبيعة.
ورجح الضابط في أمن المقاومة قيام مخابرات الاحتلال بزرع أجهزة التجسس المضبوطة بواسطة مُسيرات من نوع "كواد كابتر"، في أوقات عدم وجود حركة نشطة للنازحين، داعيًا الجميع إلى عدم العبث بأي أجهزة مشبوهة يتم كشفها والاتصال فورًا بجهات الاختصاص.
ووفق مصادر مطلعة، فإنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها ضبط أجهزة مماثلة، فسبق وضبطت المقاومة أجهزة تجسس وتنصت إسرائيلية مزروعة في مناطق متفرقة من القطاع، حتى قبل العدوان، بحيث يعتمد الاحتلال على الأجهزة المذكورة في الحصول على المعلومات الاستخباراتية، ومحاولة الوصول للأسرى في القطاع، وربما معرفة تحركات المقاومة.
محاولات تجنيد وتحريض
وكثف الاحتلال من محاولات تجنيد عملاء في قطاع غزة، لكن المقاومة وأجهزة الأمن نجحت في اعتقال العديد من العملاء.
وكشف مسؤول بوزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة النقاب عن اعتقال الأجهزة الأمنية عددا ممن تورطوا بالتعاون والتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، خلال الحرب المتواصلة على القطاع، مبينا أنهم يخضعون في الوقت الراهن للتحقيق.
ونقلت "فلسطين بوست" عن المسؤول قوله، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي كثفت "محاولات إسقاط مواطنين في التخابر؛ لجمع معلومات عن المقاومة الفلسطينية".
وأشار إلى أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي قامت بتهديد عدد من الذين تواصلت معهم بقصف منازلهم وقتل عائلاتهم إذا لم يتعاونوا معها".
وأوضح أن الاحتلال ينتحل أسماء جمعيات إغاثية لجمع معلومات وابتزاز المواطنين، في ظل المجاعة والأوضاع الإنسانية الصعبة.
وأكد المسؤول أن الأجهزة الأمنية "تتصدى لمخابرات الاحتلال وأساليبها"، داعيا المواطنين في مناطق القطاع المختلفة إلى الحذر من أساليب الاحتلال وخداعه.
كما لجأ جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أساليب جديدة لتحريض الفلسطينيين على المقاومة، وتعتمد هذه الأساليب على حاجة المواطنين ومعاناتهم في ظل الحصار المشدد المفروض، تزامنا مع الحرب المدمرة في قطاع غزة منذ 360 يوم.
وألقت طائرات الاحتلال المسيرة "الكواد كابتر" منشورات ورقية تحريضية، فوق خيام النازحين بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، مكتوب عليها: "بدكم دخان ولا قيادات"، ومرفق مع كل منشور كيس صغير يحتوي على سيجارتين من نوع "رويال".
برامج تجسس
وأطلق الاحتلال الإسرائيلي برنامج تعقب واسع النطاق للتعرف على الوجوه في قطاع غزة، وأنشأت قاعدة بيانات للفلسطينيين من دون علمهم أو موافقتهم، حسبما نقل موقع ذا فيرج عن تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
ويستخدم البرنامج، الذي تم إنشاؤه بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تكنولوجيا من برنامج صور غوغل، بالإضافة إلى أداة مخصصة صممتها شركة كورسايت (Corsight) ومقرها مدينة تل أبيب لتحديد الأشخاص المنتمين إلى المقاومة.
ووفق الصحيفة تم إنشاء برنامج التعرف على الوجه بالتزامن مع الهجوم العسكري الإسرائيلي، حيث حدد ضباط في الوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي، وهي وحدة الاستخبارات الرئيسية في الجيش الإسرائيلي، الأهداف المحتملة من خلال مشاهدة لقطات الكاميرا الأمنية ومقاطع الفيديو التي قامت حركة "حماس" بتحميلها على وسائل التواصل الاجتماعي، ووفق الصحيفة طلب جنود الاحتلال معتقلين من فلسطينيين تحديد أشخاص من مجتمعاتهم ينتمون إلى حماس.
واستخدمت شركة "كورسايت"، التي تفاخرت بأن تقنيتها يمكنها التعرف على الأشخاص بدقة حتى لو كان أقل من 50% من وجوههم مرئية، هذه الصور لبناء أداة للتعرف على الوجه يمكن للضباط الإسرائيليين استخدامها في غزة.
ومن أجل بناء قاعدة بياناته بشكل أكبر -وتحديد الأهداف المحتملة- أقام الجيش الإسرائيلي نقاط تفتيش مجهزة بكاميرات التعرف على الوجه تسمى منظومة "الذئب الازرق"، على طول الطرق الرئيسية التي يستخدمها الفلسطينيون للفرار جنوباً
وقال أحد الضباط لصحيفة نيويورك تايمز إن الهدف هو إنشاء "قائمة اغتيالات" بأسماء الأشخاص الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر وفق زعمه.
كتب: محمد الجمل