بدأ الاحتلال عامه الثاني من العدوان المُستمر على قطاع غزة، بتصعيد كبير على مختلف المستويات، تمثل في تصاعد الهجمات البرية والجوية، وارتكاب مجازر بشكل يومي، مع تصعيد كبير في سياسة التجويع ضد عموم قطاع غزة، خاصة شماله.
فمنذ السابع من أكتوبر الماضي، الذي شهد الذكرى السنوية الأولى من العدوان، دخلت الحرب المُستمرة على قطاع غزة مرحلة جديدة، عنوانها التصعيد والتجويع والمجازر، حيث هاجم الاحتلال مناطق شمال القطاع، وبدأ بتطبيق ما يسمى "خطة الجنرالات"، التي تهدف إلى تهجير المواطنين عن منازلهم.
كما عاد الاحتلال واستخدم سياسة الحصار والتجويع في أسوأ صورها، وحاصر شمال القطاع، ومنع دخول المواد الغذائية والتموينية، وأخرج مشافي شمال القطاع الثلاثة عن الخدمة، وفرض إجراءات مشددة على مناطق جنوب ووسط القطاع، وأغلق المنفذ التجاري الوحيد، بحجج وذرائع مختلفة.
مجازر شمال القطاع
ومنذ بداية أكتوبر الجاري، صعدت قوات الاحتلال مجازرها في قطاع غزة، وعادت أعداد الشهداء والجرحى اليومية للارتفاع، حتى تجاوزت 80 شهيد في بعض الأيام، بعد أن كانت انخفضت قبل عدة أشهر.
وتركزت المجازر في مناطق شمال القطاع، وامتدت إلى جنوبه، كما حدث في حي المنارة قبل عدة أيام، ووسطه، ومخيم النصيرات، الذي شهد عدة مجازر، منها قصف مدرسة مكتظة بالنازحين.
ووفق متابعات "فلسطين بوست"، فإن الاحتلال عمق مع بداية العام الثاني للعدوان من مجازره وعملياته البرية والجوية في قطاع غزة.
وارتفع عدد الشهداء ممن جرى إحصائهم في مناطق شمال القطاع حتى يوم أمس، إلى أكثر من 1050 شهيداً، ونحو 2000 مصاب، مع وجود عشرات المفقودين تحت الركام، وعدد كبير من الجثامين في الشوارع لم تتمكن فرق الإنقاذ من انتشالها حتى الآن.
ووفق المصادر المحلية وشهود العيان، فإن العمليات البرية آخذة في التوسع، إذ وصلت الدبابات إلى أغلب مناطق بيت لاهيا، وبيت حانون، بعد أن كان العدوان محصوراً في منطقة جباليا.
وبحسب شهادة الصحفي اسلام بدر، فإن الاحتلال يتواجد حالياً في الشمال بجميع مناطقه، وعشرات الآلاف من المواطنين يتواجدون حالياً في بلدة بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا، وأن مئات الأسر مازالت مُحاصرة في مخيم جباليا ومحيطه ومناطق أخرى في الشمال، لا يصلهم طعام ولا ماء.
وأكد بدر أن جيش الاحتلال أخرج جميع مستشفيات شمال القطاع عن الخدمة، كما دمر سيارة الدفاع المدني الوحيدة وسيارات الاسعاف المتبقية داخل مستشفى كمال عدوان، وباتت محافظة شمال القطاع بدون دفاع مدني او اسعاف.
وأوضح بدر أنه وبعد مداهمة مستشفيات ومراكز إيواء، ومنازل، اعتقل جيش الاحتلال مئات المواطنين، بينهم كوادر طبية، ونقلهم إلى جهات غير معلومة.
وبحسب بدر فإن جيش الاحتلال دمر مئات المنازل عبر نسف وقصف المربعات السكنية، وتحديداً في مناطق "بئر النعجة، والصفطاوي، والتوام، والعامودي، ومشروع بيت لاهيا، وبلوك 1+2"، كما أحرق جيش الاحتلال وجرف عددا من مراكز الايواء مثل "أبو زيتون، وحلب، وتل الربيع"، وغيرها.
وقصف جيش الاحتلال آبار المياه ومضخات الصرف الصحي، ودمر طرق وبنى تحتية، في جميع مناطق شمال القطاع.
ويعيش من تبقى في مناطق شمال القطاع ظروفا انسانية صعبة، حيث تفاقمت المجاعة مع استمرار منع ادخال المساعدات منذ نحو الشهر.
وفيما يخص المقاومة، فقد تواصلت بل تصاعدت في مناطق التوغل، حيث أعلنت الفصائل أنها نفذت أكثر من 100 عملية، بين تفجير، وقنص، وتفخيخ منازل، واستهداف آليات بقذائف مضادة للدروع، منذ بدء العدوان شمال القطاع، في الخامس من الشهر الجاري، وقد اعترف جيش الاحتلال بأكثر من 12 قتيل من جنوده حتى الآن.
احتلال رفح
فيما قارب احتلال محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، على إنهاء شهره السادس، لكن هذا العدوان تصاعد بصورة كبيرة مع دخول الحرب الإسرائيلية على القطاع عامها الثاني على التوالي.
ومازالت دبابات الاحتلال وآلياته العسكرية المُدرعة، تحتل كامل محافظة رفح، في حين يُطبق الطيران الإسرائيلي على جميع أنحاء المدينة، ويستهدف كل من يحاول العودة إليها.
بينما مازال نحو ربع مليون مواطن من سكان المحافظة، وقرابة مليون نازح، لجأوا إليها خلال فترات العدوان، بعيدين عن بيوتهم والمناطق التي كانوا يقيمون فيها، لا يستطيعون العودة إليها.
ووفق المصادر المُتطابقة، فإن طائرات الاحتلال شنت عشرات الغارات الجوية العنيفة، معظمها استهدفت منازل غير مأهولة، سبق وأخلاها سكانها، في حيي تل السلطان والحي السعودي،
ومناطق شمال ووسط رفح، بالتزامن مع أعنف موجات من القصف المدفعي تتعرض لها المحافظة منذ شهر أيار الماضي.
وأكدت المصادر ذاتها أن الغارات هدفت إلى تدمير مزيداً من المنازل، مع تركيزها على البنايات المرتفعة، خاصة تلك التي يزيد ارتفاعها على طابقين.
وأوضح المواطن خالد ياسين ويقطن في مناطق مواصي محافظة رفح، إن الوضع في اليومين الماضيين تصاعد في رفح بشكل كبير، في وضع مشابه لما كان عليه العدوان في بداياته، فالقصف كان على مدار الساعة ولم يتوقف للحظة.
وأكد أن الانفجارات تتواصل داخل رفح ليل ونهار، وتُشاهد ألسنة النار والدخان تتصاعد من داخل رفح جراء الغارات والحرائق، كما جرى تنفيذ سلسلة من التفجيرات الكبيرة، نجمت عن تفجير روبوتات، وحاويات، في قلب الأحياء المأهولة.
بينما قال المواطن إبراهيم مصباح، إنه بات يشعر أن العدوان على رفح وكأنه عاد لأيامه الأولى، من حيث تصاعد القصف، واستهداف كل من يحاول دخول المدينة، بالتزامن مع تشديد الحصار على تلك رفح، وقنين دخول السلع والبضائع من خلال المعبر.
المجاعة تتعمق
وبينما بلغت المجاعة ذروتها في مناطق شمال القطاع، المحاصر بشكل مُطبق منذ قرابة الشهر، ولا يسمح الاحتلال بدخول المساعدات الغذائية، والمواد التموينية لتلك المناطق، بدأ شبح المجاعة يلوح في الأفق في مناطق جنوب ووسط القطاع أيضاً.
تعاني مناطق جنوب ووسط القطاع من شح شديد في المواد الغذائية الأساسية، خاصة الطحين، حيث فُقد الأخير تماماً من الأسواق، وارتفعت أسعاره بشكل غير مسبوق.
وشوهدت طوابير من المواطنين أمام المخابز، وسط شح في الخبز، بينما يُواصل آخرون البحث في الأسواق، علهم يجدوا شوال طحين.
ووفق عدة مصادر فإن الأزمة تعمقت بشكل كبير مع توقف دخول الطحين للقطاع بسبب الحصار، وتوقف وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، وبرنامج الأغذية العالمي، ومؤسسات إغاثية أخرى توزيعه على المواطنين والنازحين منذ عدة أسابيع.
وبحسب باعة وتجار فقد ارتفع الطلب على الطحين بشكل حاد، في مقابل انخفاض العرض، إذ قال البائع صالح طه، إن الطحين مفقود من الأسواق، بسبب ندرة إدخاله من معبر كرم أبو سالم.
وأكد البائع سامي عبد الباسط، أن ما هو متوفر هو طحين قديم، انتاج بدايات العام الجاري، ونظراً لمرور فصل صيف حار عليه، نمت فيه الحشرات، وأصبح مذاق الخبز المصنوع منه سيء جداً، وهناك شح شديد في الرز، وزيت الطعام، وغيره من السلع.
استغلال للصمت الدولي
واستغلت إسرائيل حالة الصمت الدولي المُطبق، والضوء الأخضر الممنوح لها من الولايات المتحدة والغرب، وواصلت جرائمها، وعمقت عدونها على قطاع غزة، في ظل استمرار رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتنياهو كل مقترحات وقف الحرب.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي نافذ غنيم، أنه وفي ظل الاوضاع القائمة، يجب أن لا يُراهن أحد على أي صفقات أو حتى هدنة قريبة، فإسرائيل وفق غنيم لا تريد ذلك، وما تبقى من أهدافها الاستراتيجية لم يتحقق بعد، وللانتخابات الأمريكية معادلتها الخاصة أيضاً.
وأوضح غنيم لـ"فلسطين بوست"، أن الحديث واشاعة أجواء من التفاؤل بخصوص قرب التوصل إلى الهدن والصفقات مجرد جانب من إدارة المعركة من قبل نتنياهو، الذي يراوغ ويناور من أجل إطالة أمد الحرب، معتبراً أن مجرد الأمل بإمكانية الهدن والصفقات مجرد وهم .
وقال غنيم: في تقديري القادم لا يقل صعوبة عن ما مضى، وعل جباليا تكون نموذجا لذلك.
فيما أكد مواطنون، أنهم وبينما كانوا ينتظرون توقف العدوان، أو على الأقل تراجع في حدته، فوجئوا بعودة التصعيد إلى ما كان عليه في الأيام الأولى من الحرب، وتصاعد المجازر ليس في شمال القطاع فحسب، بل في جنوبه ووسطه.
وأكدوا أن الصمت الدولي والدعم الأميركي والغربي، فتح شهية الاحتلال على المزيد من المجازر والجرائم، وبات الاحتلال يُمارس القتل والإبادة على مدار الساعة، بينما آلته الحربية تدمر مدن ومخيمات القطاع على دون توقف.
كتب: محمد الجمل