مر أكثر من 409 يوماً على قطع الاحتلال جميع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة بشكل كامل، وخلو القطاع المُحاصر من جميع مصادر الطاقة، بما في ذلك محطة التوليد الوحيدة، التي مُنع الوقود من الوصول إليها، قبل أن يتم قصفها عدة مرات.
كما يوصل الاحتلال منع توريد الوقود للقطاع، ما يحرم من يمتلكون مولدات كهربائية من تشغيلها، والاستفادة من انتاجها من الطاقة.
وفي ظل الأزمة، أبدع سكان القطاع في استخدام العدد القليل المتوفر من ألواح الطاقة الشمسية، ليحصلوا من خلالها على كميات ضئيلة من الكهرباء، لتُنير عتمة الحرب في القطاع، لاسيما في قلب مخيمات النزوح.
وتنتشر الخلايا ذات القدرات المختلفة داخل مخيمات النزوح، إذ يضعها النازحون أمام خيامهم، ويوصلونها ببطاريات لإعادة شحنها، ومن ثم استخدامها في الإنارة.
إنارة عتمة الحرب
المواطن حسن ماضي، أكد أنه ومنذ بداية الحرب أدرك أن أزمة الكهرباء في قطاع غزة ستكون طويلة، وممتدة، لذلك سعى منذ البداية إلى شراء خلية شمسية ذات قدرة عالية، لتكون وسيلته في شحن البطاريات، التي يشحن من خلالها الهواتف النقالة، ويضيء خيمته ليلاً، باستخدام مصابيح الإنارة الصغيرة التي تُسمى "لدات".
وأوضح ماضي لـ"فلسطين بوست"، أنه استخدم الخلية في بيته حين كان يقيم في مدينة رفح، وعندما نزح نقلها معه إلى خيمته في مواصي خان يونس، ويعتبر الخلية رفيقته أينما ذهب ستكون معه، فلولاها لعاش في ظلام دامس، موضحاً أنه رفض الكثير من العروض لبيعها، رغم أن البعض دفع مقابلها أضعاف ثمنها.
وأشار إلى أنه يساعد جيرانه من خلال شحن هواتفهم وبطارياتهم، وأسهمت خليته الصغيرة في إنارة عتمة المزيد من الخيام في المخيم.
بينما قال المواطن أشرف خليل، إنه عمل على تطوير نظام الخلايا الشمسية الذي يمتلكه، وجلب خلية ثانية، مع بطارية كبيرة، وجهاز بحجم "1 كيلو وات"، وحوله إلى مشروع يعتاش منه، بعد أن فقد مصدر دخله الوحيد بسبب الحرب، حيث كان يعمل في قطاع الزراعة.
وبين خليل أنه يقوم بشحن البطاريات والهواتف النقالة للمواطنين مقابل مبالغ مالية بسيطة، تتراوح ما بين 1-3 شيكل، وهذا لا يُرهق المواطنين، لكنه يعود عليه ببعض الأموال التي تساعده في مواجهة أعباء الحياة الثقيلة.
وأكد خليل لـ"فلسطين بوست"، أن الكثير من المواطنين العاطلين عن العمل حولوا أنظمة الطاقة الشمسية التي يمتلكونها لمشروعات يعتاشون منها، وهي تجارة رائجة، في زمن الحرب، فمنهم من يشحن البطاريات والهواتف، مقابل مبالغ مالية، ومنهم من يقوم بتبريد المياه، وبيع الشراب، لكن مع دخول فصل الشتاء، وقلة فترات سطوع الشمس، ستنخفض قدرة الخلايا على انتاج الكهرباء بشكل يومي، وبالتالي سيؤثر ذلك على هذه المشروعات، ويحد من قدرة ملاكها على شحن البطاريات، خاصة الكبيرة.
بينما أشار المواطن عبد الله الخطيب، أنه يواجه مشكلة كبيرة رغم امتلاكه خليتين شمسيتين كبيرتين، فالبطارية التي يمتلكها تعطلت، وبحث في كل مكان عن بطارية جيدة فلم يجد، مع استمرار فرض الحصار، وحظر الاحتلال توريد بطاريات جديدة، والبطاريات التي وجدها معظمها قديمة، وأسعارها عالية، وهو عاجز عن استخدام الألواح، بشكل يمكنه الاستفادة منها، فالبطارية ضرورية لذلك.
وأكد أن أحد المهندسين أخبره بوجود إمكانية فنية للحصول على الكهرباء من الخلايا بواسطة جهاز "UPS"، بعد إجراء بعض التحويلات والتعديلات الإلكترونية عليه، لكنه يخشى من تعطل الجهاز، وبالتالي خسارته.
حل مثالي
في حين يقول المهندس محمد فرج، إن الخلايا الشمسية هي حل مثالي لأزمة الكهرباء في غزة، وهي تنقسم وفق استخدامها في الحرب لقسمين، الأول قسم ضمن أنظمة متكاملة، مكونة من عدد من الخلايا، وبطاريات، وجهاز، وهي ذات استخدامات مختلفة، حسب قدراتها، فمنها ما يستخدم لتشغيل "غواتس مياه"، أو أنظمة تحلية، أو حتى مشاريع للشحن وتشغيل ثلاجات، أو غيرها.
والنوع الآخر بحسب فرج هو النوع البسيط، وهو الأكثر استخداماً، مكون من خلية واحدة، موصولة ببطارية، وهي موجودة في معظم خيام النازحين، وفي بعض المنازل، وهي تُنتج طاقة كافية لشحن بطارية، ومن ثم شحن الهواتف النقالة.
وأوضح فرج لـ"فلسطين بوست"، أن أغلب المواطنين يستخدمونها بشكل خاطئ، من خلال شحن البطارية بشكل مباشر عبر شبك كوابلها في البطارية، والخلية عادة ما تُنتج كهرباء بقوة 41 فولت، والبطارية تحتاج ما بين 13-14 فولت فقط، لذلك هذا الاستخدام يُسرع في تعطل البطارية، ويجب تركيب جهاز يسمى "منظم شحن"، للحفاظ على عمر البطارية.
وأكد أنه ورغم وجود آلاف الخلايا الشمسية في القطاع، إلا أن الأخير بحاجة لكميات كبيرة منها، وأنظمة طاقة شمسية ذات قدرات منزلية وتجارية، حتى يتم تعويض النقص الحاصل في امدادات الكهرباء في القطاع، موضحاً أن المواطنين سيعتمدون على هذا المصدر لإمدادهم بالطاقة لفترات طويلة، حتى بعد الحرب، في ظل تدمير شبكات الكهرباء بشكل واسع وكبير، وصعوبة إيصال التيار في وقت قصير.
ارتفاع الأسعار
بينما قال المواطن يوسف جمعة، ويعمل في تجارة الخلايا الشمسية، إن وجود الخلايا في القطاع كان قليل، نظراً لأن البديل عن انقطاع الكهرباء قبل الحرب كان مولدات الأحياء، والناس اعتادت عليها، والكثيرون لم يفكروا في شراء ألواح طاقة شمسية، لكن بعد العدوان وانقطاع جميع مصادر الكهرباء حدث طلب كبير ومفاجئ عليها، وبات الجميع يسعون لاقتنائها.
وأكد جمعة أن كل "وات"، من قدرة الخلايا كان يباع قبل الحرب مقابل 1 شيكل، فعلى سبيل المثال خلية بقدرة 400 وات، كانت تباع مقابل 400 شيكل، أما الآن فسعر الوات الواحد من الخلايا المستعملة يصل إلى 10 شيكل وأحياناً أكثر.
وأكد أن القطاع ولأول مرة يشهد إصلاح للخلايا المعطوبة، لاستعادة ولو جزء من قدرتها، فحاليا مصدر الكهرباء الوحيد في غزة، هي الخلايا الشمسية، ومع طول فترة العدوان، واستبعاد عودة الكهرباء، بات الجميع يسعون لامتلاكها في خيامهم، لإعانتهم على مواجهة الصعاب في رحلات النزوح.
ومازال يسعى مواطنون لامتلاك الخلايا الشمسة، وسط استمرار ارتفاع أسعارها بشكل كبير ومتواصل، وندرتها، والبعض باتوا يقتنون خلاليا متضررة بسبب القصف، وتنتج كميات قليلة جداً من الكهرباء.
كتب: محمد الجمل