قسى الطقس البارد والماطر على النازحين في مناطق غرب محافظة خان يونس، وغرب مدينة دير البلح، بعد أن غرقت خيامهم، واقتلعت بسبب الأمطار وأمواج البحر، وما رافقها من رياح عاتية.
فقد عاش النازحون والذين يُقدر عددهم بنحو مليون شخص، واحدة من أصعب وأقسى الليالي على الإطلاق، بسبب الطقس البارد والماطر، واندفاع أمواج البحر تجاه خيامهم، وهبوب رياح قوية.
وبدأت تفاصيل المعاناة خلال ساعات صباح أمس الأحد، بع هطول الأمطار وغرق مئات الخيام، ثم زادت الأمور سوءاً خلال الليلة الماضية، وتحديداً عند حوالي الثامنة مساءً، بعد اندفاع كبير ومفاجئ لأمواج البحر تجاه الخيام، ما تسبب بغرق المئات منها، خاصة الأكثر قرباً من الشاطئ، وقد غرق طفلان على الأقل، سحبتهما أمواج البحر.
أمواج تجتاح الخيام
وبدا المشهد على طول شاطئ البحر غرب محافظة خان يونس صعباً، خاصة في محيط "مواصي القرارة"، حيث العشرات من الخيام تعرضت للغرق، والبحر سحب حاجيات المواطنين، والنازحون يبحثون عن أغراضهم وسط الأمواج، وآخرون ينقلون ما نجا من حاجياتهم بعيداً.
وقال المواطن خالد ياسين، إنه انشغل في الأيام الماضية في تغطية خيمته بالشوادر وقطع من النايلون، في محاولة لمنع نفاذ الأمطار إليها، بعد أن قام بنقلها عشرات الأمتار شرقاً، حيث كانت مقامة على شاطئ البحر مباشرة.
وأوضح ياسين لـ"فلسطين بوست"، أنه لم يتوقع أبداً أن تصل أمواج البحر إلى خيمته، خاصة بعد أن قام بوضع ساتر ترابي كبير أمامها، لكنه فوجئ بمد بحري قوي وكبير، وصل إلى خيمته عند حوالي الثامنة والنصف مساءً، حيث غمرتهم الأمواج.
وأشار إلى أن المياه دخلت إلى الخيمة بينما كان أطفاله نائمون، وقد فوجئوا بغرق كل شيء، وتبللهم بالمياه، موضحاً أن أول شيء فعله أنه قام بإبعاد أطفاله شرقاً، ثم عمل على نقل الأشياء الأكثر أهمية، وما هي إلا لحظات حتى جاءت موجة أكبر من سابقاتها، وأغرقت الخيمة بالكامل، وسحبت الكثير من حاجياتهم.
وأكد أنهم ناموا ليلتهم في العراء وسط البرد والمطر، قبل أن يتنقل إلى خيمة أحد الجيران عند ساعات الفجر، ومنذ الصباح الباكر، يبحث عن مكان بعيد عن شاطئ البحر ينقل خيمته إليه، لكن الأمر لا يبدو سهلاً، في ظل تكدس مخيمات النازحين بالخيام، وعدم وجود متسع لخيمة جديدة.
غرق في جنح الظلام
ولم تكن الأمواج هي التحدي الوحيد الذي واجه النازحون في ظل موجة البرد الحالية، فقد أغرقت الأمطار الغزيرة التي هطلت على دفعتين المئات من خيام النازحين، خاصة في مناطق مواصي خان يونس، لاسيما أن معظم الخيام بالية، ولا تقاوم المطر، أقامها أصحابها من قطع القماش.
ودخلت مياه الأمطار إلى الخيام من الأسقف والجوانب، بينما انسابت من تحت بعض الخيام لتعرض حاجيات النازحين للغرق، وتتسبب بمعاناة كبيرة لهم، وأجبرتهم على مغادرة خيامهم خلال فترات هطول الأمطار.
وقال النازح أيمن المصري، إنه ورغم كل ما فعله في السابق لمنع دخول مياه الأمطار إلى خيمته، إلا أن الأخيرة لم تصمد طويلاً، وقد دخلت المياه إليها من السقف، وتسربت من الجوانب، وما كان يخشاه حدث، إذ غرقت عائلته في جنح الظلام.
وأكد أنه نقل عائلته في جنح الظلام لخيمة جاره، وانهمك برفقة ابنه في إعادة وضع الغطاء فوق الخيمة، لحماية الأغراض، ومنذ الصباح تقوم زوجته بنشر الأغطية والفراش، في محاولة لتجفيفها، على الرغم من أن الشمس لم تسطع منذ يومين، بينما يحاول هو صيانة الخيمة، لتصلح للعيش من جديد.
وأكد أنه بحاجة لثلاثة شوادر على الأقل، حتى يُحكم إغلاق خيمته، ولا يدخلها المطر، وهذا أمر يفوق قدرته، فهو من أجل ذلك بحاجة إلى 1800 شيكل على الأقل.
وتوقعت دوائر الأرصاد الجوية أن تهطل المزيد منها خلال الساعات المقبلة.
وقضت المئات من العائلات النازحة ليلتها وسط البرد والأمطار، بعد اقتلاع خيامها أو غرقها، وسط مناشدات للجهات الاغاثية والمعنية، بأن تعمل على علاج مشكلات المخيمات، وتأمين النازحين من البرد والرياح والأمطار.
الرياح تقتلع الخيام
وبالإضافة للأمواج والأمطار، فقد واجه النازحون خطر الرياح العاتية التي هبت لساعات طويلة، إذ تعرضت عشرات الخيام للاقتلاع والتطاير، بينما تمزقت أغطية الخيام، واضطرت مئات العائلات للنوم في العراء.
وأكد المواطن النازح محمود خلف، أن خيمته لم تصمد مطلقاً أمام الرياح القوية، التي هبت لنحو 4 ساعات متتالية، واقتلعت النايلون الذي وضعه فوقها لحمايتها من المطر، ثم طار سقفها، قبل أن يتفكك بعض جوانبها.
وأوضح خلف لـ"فلسطين بوست" أن الرياح القوية خلفت كوارث في خيام النازحين، ومع ساعات الصباح تكشف حجم الكارثة بشكل أكبر، حيث المئات من الخيام طارت بفعل هذه الرياح.
وبين أن الوضع صعب، فالشتاء مازال في بدايته، والأسابيع والأشهر المقبلة ستحمل معاناة مضاعفة للنازحين وعائلاتهم.
أوضاع قاسية
وأكد الدفاع المدني في قطاع غزة، أنه تلقى منذ بدء دخول المنخفض الجوي الحالي، مئات المناشدات من عائلات غرقت خيامها، وسط محاولات لمساعدة هذه العائلات وفق المُتاح من إمكانات.
وأوضح الدفاع المدني أن الأمطار التي هطلت مؤخراً تُصنف على أنها ما بين خفيفة إلى متوسطة، وحال كان هناك موجات أكبر من الأمطار، ستكون المعاناة أكبر بكثير، وسيكون الجميع أمام مشهد إنساني كارثي إذا استمر النازحون في المخيمات على هذا الحال، لاسيما في ظل تلف كثير من خيامهم وعدم صلاحها للإيواء.
وحذر الدفاع بشدة بأن النازحين أمام مخاطر كبيرة حال تعرضت المناطق المنخفضة إلى غمر مياه الأمطار، في ظل انسداد قنوات الصرف الصحي، بفعل تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي للبنى التحتية في مناطق القطاع، والخشية أيضاً من انهيار منازل ومباني ينزح فيها مواطنون هي غير صالحة للسكن وآيلة للسقوط بسبب تعرضها للقصف الإسرائيلي.
وناشد الدفاع المدني في غزة، المجتمع الدولي الإنساني والأمم المتحدة، بأن تتداعى لإنقاذ حياة النازحين الفلسطينيين في المخيمات بقطاع غزة قبل فوات الأوان، وأن تساعدهم وتمدهم بخيام وكرفانات إيواء للوقاية من أضرار فصل الشتاء.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في تصريح صحفي اليوم، إن قرابة 10,000 خيمة تلت على مدار اليومين الماضيين، حيث جرفتها مياه البحر بعد امتداد الأمواج بسبب دخول فصل الشتاء ودخول المنخفض الجوي.
وذكر أن نسبة 81% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك بعد تلف واهتراء 110,000 خيمة من أصل 135,000 خيمة بحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل نتيجة اهتراء هذه الخيام تماماً، ونتيجة دخول المنخفضات الجوية وفصل الشتاء وجرف أمواج البحر لآلاف الخيام.
وأوضح المكتب الإعلامي أن هذه الخيام مصنوعة من القماش والنايلون، وكانت قد اهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في قطاع غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور أكثر من 416 يوماً على حرب الإبادة الجماعية وعلى جريمة التهجير القسري والنزوح الإجباري.
كتب: محمد الجمل