مازال النازحون في مخيمات غرب مدينة خان يونس، ووسط قطاع غزة، يعيشون ظروفاً صعبة ومأساوية، خاصة بسبب البرد القارص، ووصول المزيد من المنخفضات الجوية إلى المنطقة.
وتسببت الأمطار وما رافقها من هبوب رياح قوية في اقتلاع وتدمير مئات الخيام، وغرق خيام أخرى، في حين شهدت مخيمات النزوح عمل دؤوب وحركة نشطة، لمحاولة تخفيف أضرار المنخفضات الجوية.
تعاون وتعاضد
ولوحظ حدوث تعاون كبير بين النازحين في المخيمات، إذ يعملون ضمن مجموعات، وينتقلون من خيمة لأخرى، من أجل حمايتها من المطر، في حين هب العشرات لمساعدة النازحين بعد غرق الخيام، معتبرين أن هذا الأمر هو الطريقة المُثلى لحماية العائلات وتأمينها من مخاطر المنخفضات.
وقال المواطن محمود شقفة، إن النازحين حين اشتد بهم الكرب، اتحدوا وتعاونوا في شتى مجالات الحياة، لحماية أنفسهم من الأخطار، وقد برز هذا الاتحاد والتعاون في مواجهة مخاطر المنخفضات الجوية، التي مازالت تضرب المنطقة بشكل متتالي.
وأكد شقفة لـ"فلسطين بوست"، أن القاطنين في مخيم النزوح الذي يقيم فيه، شكلوا عدة مجموعات، من أجل مساعدة العائلات الأكثر هشاشة، وبدؤوا بالبحث عن الخيام البالية، والأكثر عرضة للمخاطر والغرق، واستطاعوا تثبيت عدد من الخيام، وتغطية جزء آخر، حيث تبرع بعض المُحسنين بشوادر وقطع من النايلون، ويقومون بتغطية الخيام التي بحاجة لتغطية، وحين غرقت الخيام، عمل الجميع، بروح الفريق الواحد، وساعدوا المتضررين.
وأوضح شقفة أن النازحين سطروا أجمل صور التعاون والتعاضد، فقد عمل هو ونجله برفقة جيرانهم من أجل تثبيت خيامهم، وقاموا بربطها ببعضها البعض، وتثبيتها بأوتاد من الحديد، وغطوها بقطع من النايلون، حتى أضحت كل مجموعة من الخيام وكأنها قطعة واحدة متماسكة، وهذا يزيد من تثبيتها، والهدف منع دخول المياه إليها من جانب، ومنع اقتلاعها وتطايرها بفعل الرياح.
وأشار إلى أن التعاون أثمر بشكل كبير، فصحيح حدثت أضرار في الخيام بسبب الأمطار، والرياح، لكنها كانت أقل بكثير من السابق، وثمة خطة للعمل على إصلاح الضرر بعد انتهاء المنخفض الحالي، من أجل تلافي أضرار منخفضات قادمة.
وحذر الدفاع المدني المواطنين من موجة برد قاسية قادمة، متوقعة في الأيام المُقبلة، وقدم مجموعة من التعليمات، التي قد تُسهم بحماية الأطفال من البرد، في حين أوصى أطباء يعملون في مشافي جنوب القطاع، المواطنين بدهن أطراف الأطفال بمادة "الفازلين"، وإلباسهم جوارب، وقفازات في الأطراف الأربعة والعمل على زيادة الأغطية عليهم، مع استمرار تفقدهم بين الفينة والأخرى، خاصة خلال ساعات الليل، للتأكد من أن حرارة أجسادهم جيدة، خوفاً من تجمد الأجساد، وموت الأطفال.
تعاون لدرء خطر الأمواج
وعمل نازحون في مجموعات متعاونين، من أجل حماية خيامهم التي أقيمت على شاطئ البحر، ومنع وصول الأمواج إليها، إذ يقول المواطن ابراهيم رشيد، ويقيم وعائلته في خيمة على شاطئ بحر بلدة القرارة شمال محافظة خان يونس، إن خيمته تعرضت للغرق بأمواج البحر خلال المنخفض الجوي الماضي، ويعمل من أجل عدم تكرار ذلك، وقد فكر والده طويلاً حتى اهتدى لفكرة، تتمثل في إحداث حفرة طولية عميقة أمام الخيمة، على أن يضع الرمال التي أخرجها من الحفرة إلى الشرق منها، لتصبح بمثابة تلة رملية، وبهذا يكون شكل مانع مُزدوج أمام الأمواج، فالحفرة تمتص قوة الموجة، إذ تنساب المياه إليها، بينما يعمل الساتر الترابي الذي يليها لمنع وصولها للخيمة، موضحاً أن فكرته نجحت، ولم تدخل الأمطار إلى الخيمة.
وأكد رشيد أنه لولا تعاون جيرانهم، وأقاربهم لما استطاعوا تنفيذ فكرتهم، فقد اجتمعوا وعملوا لأكثر من ساعتين، حتى استطاعوا إحداث الحفرة، وعمل الساتر المذكور، معبراً عن أمله بأن تنجح خطته في حماية الخيمة من الأمواج، حيث تتوقع دوائر الأرصاد الجوية حدوث ارتفاع على أمواج البحر بالتزامن مع المنخفض الحالي، بحيث قد يزيد ارتفاع الأمواج على المترين.
وبين أن جميع النازحين المقيمين على شاطئ البحر، استعدوا للمنخفض، وهناك عمل متواصل في محيط الخيام، من أجل حمايتها من الغرق.
في حين قال المواطن ياسر عايش، إن البقاء على شاطئ البحر أمر اضطراري، لعدم وجود مكان آخر، أو بديل آمن، فجميع من بقوا هناك يعلمون أن ثمة خطر داهم ومتجدد يتهددهم باستمرار.
وأكد عايش أن مشكلة المقيمين على شاطئ البحر مضاعفة، فمن ناحية يخشون الأمواج، ومن جانب آخر يخشون غرق خيامهم بالأمطار، إضافة لخطر الرياح القوية، التي تُهدد كل الخيام.
وأوضح أنه يتمنى لو استطاع الانتقال لمنطقة أخرى، لكنه بحث عن مكان يضع فيه خيمته، فلم يجد، ما يضطره للبقاء على شاطئ البحر، رغم مخاطر المنخفضات، متمنياً لو عاد إلى مدينة رفح، التي هُجر منها قسراً بداية مايو/أيار الماضي، ليستريح من هذا العناء.
مبادرون يخففون المعاناة
في ظل الأوضاع الكارثية للنازحين في مواصي خان يونس، وغياب الجهات الحكومية والإغاثية عن القيام بدورها، باتت المبادرات الصغيرة التي يقودها شبان، تسهم في تخفيف معاناة النازحين.
الشاب عبد الرحمن، ورفض ذكر اسمه كاملاً، أكد أنه يجتهد برفقة بعض المتطوعين في خدمة النازحين، وينبتون مبادرات هامة، أبرزها تركيب "شوادر"، بالإضافة لتوزيع أغطية على بعض النازحين.
وأكد أنه يجمع المال من متبرعين، ومن جيبه الخاص في بعض الأحيان، من أجل تلبية مناشدات تصلهم، ويعملون في مختلف المخيمات، ويقصدون العائلات الأكثر فقراً وحاجة، خاصة التي تعيش في خيام بالية، لا يسترها سوى قطع صغيرة من القماش.
وأوضح أنهم استطاعوا توفير عشرات الشوادر، وشراء أغطية، وساعدوا الكثير من النازحين، لكن الحاجة كبيرة، وكبيرة جداً، ولا يمكن مبادرات صغيرة من متطوعين سدها، وهذا كان واجباً على جهات الاختصاص، التي تخلت بالفعل عن النازحين، وتركتهم يواجهون مصيرهم القاسي.
في حين قال المُصور خالد مصطفى، إنه يعمل مصوراً لتوثيق مبادرات ينفذها بعض النشطاء، أو جمعيات صغيرة، وفي بعض المرات بكى من هول ما شاهده من معاناة لأسر تعيش في خيام حياة قاسية وصعبة.
وأكد أنه دخل خيام تعيش فيها أسر لا تجد أغطية ولا فراش، ولا حتى شوادر لسترتهم، وحين يصل المبادرون لمساعدتهم يكونوا سعداء، رغم أن المساعدة في غالب الأحيان تكون صغيرة، ولا تلبي حاجة تلك الأسر.
وتساءل مصطفى، لماذا تركت الجهات الحكومية في غزة، والمؤسسات الإغاثية النازحين وتخلت عنهم في مثل هذه الظروف، فبعض العائلات تعيش في خيام لا تحتمل حتى الدواب العيش فيها.
بينما قال المواطن أحمد الشيخ عيد، أنه توجه لجمعيات، وجهات إغاثية، من أجل مساعدته في تغطية خيمته، ولم يستجب أحد، وقد فوجئ بوصول شخصين من المبادرين، معهما شادرين، وطلبا منه وعائلته مغادرة الخيمة لوقت قصير، وقاما بتغطيتها بالشادر، من الأعلى ومن أحد الجوانب، ووعداه بالعودة قريباً لتكملة تغطيتها بعد توفر شوادر جديدة، وشاهدهما يعملان في خيام مجاورة.
وأكد أنه سعيد لما قدمه له المبادرون، الذي يفعلون ما لم يُطلب منهم، ويتولون مهمة تخلت عن القيام بها جهات أخرى.
كتب: محمد الجمل