مازالت أزمة السيولة النقدية تعصف بالقطاع للشهر السادس عشر على التوالي، بسبب منع الاحتلال إدخال السيولة لغزة، وإغلاق فروع البنوك العاملة في القطاع.
وبات سحب الأموال من الأرصدة البنكية سواء للموظفين، أو الأشخاص العاديين من الأمور الصعبة، إذ تزيد العمولات في بعض الأحيان على 30%، من أجل الحصول على النقد، عدا عن مشكلة اهتراء الأوراق النقدية، ما يجعل التعامل بها أمراً مُرهقاً.
الشراء عبر التطبيق
ووسط الازمة بدأ مئات الباعة والتجار بالقبول بالتعاملات البنكية الالكترونية وعلقوا على بسطاتهم، وأبواب محلاتهم يافطات كُتب عليها "نقبل البيع عبر التطبيق البنكي"، وقد بدأ هذا السلوك التجاري ينتشر تدريجياً، مع زيادة المتعاملين بتلك الطريقة.
وعادة ما يمتلك البائع مصدراً للإنترنت، إذ يقوم المُشتري بتحويل ثمن السلعة لحساب البائع، سواء حساب بنكي، أو محفظة مالية رقمية.
وأسهمت هذه الطريقة في خفض البحث عن السيولة النقدية، إذ يشتري من يمتلكون أرصدة في البنوك، أو في محافظ رقمية، حاجتهم من الخضار، الفواكه، الدواجن، أو غيرها من السلع.
ويقول بائع الخضار إسماعيل عبد الحميد، إن السيولة النقدية تتناقص من القطاع، والمبيعات تراجعت، كما أن هناك أزمة حقيقية في التعامل مع العملات المتواجدة، فالعملة من فئة 10 شيكل خرجت تقريباً من التعاملات، كما أن الأوراق المالية المتداولة في السوق باتت شبه تالفة، لذلك كان لا بد من إيجاد طريقة تعامل فعالة، حتى بدأ البيع من خلال التطبيق، أو المحافظ الالكترونية ينتشر.
وأكد عبد الحميد لـ"فلسطين بوست"، أن البائع ممن يعرض بضاعته للبيع عن طريق التطبيق، يبيع ضعفي البائع ممن يُصر على البيع مقابل "الكاش"، لذلك ينتقل الباعة بسرعة إلى هذا النوع من البيع، معتقداً أن القطاع بأسره متوجه للتعاملات النقدية الإلكترونية، أسوة بباقي المناطق في العالم.
وأشار إلى أن الناس بموجب هذه الطريقة لن تحتاج إلى حمل المال، وتُخلص البائع والمشتري من مشكلات العملات، سواء التالفة، أو الحصول على "الفكة"، التي لا تتوفر باستمرار، فالتحويل الالكتروني آمن، وسهل، ويحدث في غضون أقل من دقيقة، كما أن التجار أنفسهم، يشترون البضائع من كبار التجار، مقابل تحويلات بنكية.
وأوضح أن التعاملات المذكورة مازالت محصورة لدى فئة معينة من المواطنين، ممن يمتلكون حسابات بنكية، أو محافظ الكترونية، فيما يبقى الكثيرون مجبرون على التعامل مقابل "الكاش"، لذلك يجب تعميم الأمر، من خلال حملات توعية، أو غيرها من الطرق، للقضاء على الكاش، وان يُصبح لكل مواطن محفظة خاصة به.
الهروب من الابتزاز
بينما قال المواطن ياسر عاشور، ويتقاضى راتبه من السلطة الفلسطينية، إنه سئم وضجر من ابتزاز الصيارفة، ممن يعطونه السيولة النقدية مقابل عمولات عالية، تصل أحياناً إلى 35%، حيث كان مضطراً لسحب المال عبر هذه الطريقة فقط، إلى أن اهتدى للتعاملات الالكترونية.
وأكد أنه وتسهيلاً عليه في عمليات الشراء، أنشأ وإلى جانب التطبيق البنكي الخاص به، محفظة الكترونية، وبات يشتري ما يريد، ويُحول المبالغ للباعة، موضحاً أنه بذلك تخلص من ابتزاز الصيارفة، ممن انهكوه مادياً.
وأكد أن التعاملات المالية الالكترونية حلت له ولغيره من المواطنين أزمة كبيرة، وساهمت في سهولة الشراء، فيكفي أن يحمل هاتفه كي يشتري ما يريد، دون أن يحتاج لحمل النقد في جيبه، موضحاً أنه حتى لو توفرت السيولة النقدية، وفتحت البنوك أبوابها مُستقبلاً، سيواصل التعامل بنفس الطريقة، التي وجدها أكثر راحة.
بينما يقول المواطن عبد الله النجار، إنه يعاني الفقر والعوز وقد فوجئ برسالة نصية تصله من مؤسسة إغاثية دولية، تخبره أنه تلقى إعانة مالية عبارة عن 1000 شيكل، فسارع إلى أحد المحال التي تقوم بصرفها، لكنه صُدم أنه يريد تحصيل عمولة 30%، ما يعني أنه سيخسر 300 شيكل من المبلغ، وهذه خسارة كبيرة في ظل الوضع الصعب الذي يعيشه.
وأكد النجار أنه بدأ يبحث عن حل حتى اهتدى للمحافظ الإلكترونية، لكنه واجه صعوبة كبيرة في إنشاء محفظة، بسبب الإقبال الكبير على إنشائها، فتوجه لشقيقه الذي يمتلك واحدة، وقام بتحويل مبلغ الإعانة إلى محفظته، وتوجه برفقته إلى عدة محال تجارية على مدار أيام، واشترى بالمبلغ ما تحتاجه أسرته.
وأكد أنه سعيد لأنه تخلص من ابتزاز الصيارفة، ووجد حل لاستغلال كامل المبلغ، لكنه انتقد رفض الكثير من المحال والمتاجر والبسطات التعامل مع المحافظ والتعاملات الالكترونية المالية، آملا أن يتم تعميم الامر، لتصبح الأسواق بكاملها، تقبل التعاملات المالية الالكترونية.
تعاملات مالية فورية
وسبق وأعلنت سلطة النقد الفلسطينية، إطلاق نظام المدفوعات والحوالات الفوري بين البنوك وشركات خدمات الدفع (أي براق)، لمساعدة المواطنين في قطاع غزة على تسديد التزاماتهم، وتنفيذ معاملاتهم المالية بوسائل الكترونية، في ضوء خروج معظم فروع البنوك والصرافات الآلية في القطاع عن الخدمة، والنقص الحاد في السيولة النقدية، موضحة أنه سيكون تنفيذ الحوالات الفورية مجانياً على طرفي العلاقة، بحيث لن يتحمل المُرسل والمستفيد أية تكلفة.
ووفق سلطة النقد فإن إطلاق هذا النظام يأتي ضمن استراتيجيتها للتحول الرقمي، فيما قررت سلطة النقد تبكير موعد إطلاقه في قطاع غزة، في الوقت الذي يتعذر إجراء العمليات البنكية التقليدية خصوصا (السحب والإيداع) في كل أنحاء القطاع، ولتسهيل إجراءات صرف الرواتب لموظفي المنظمات الدولية، وموظفي القطاعين العام والخاص، والحاجة المُلحة التي خلقتها ظروف الحرب لتوفير بدائل للتعامل بالعملة النقدية، علما أن معظم فروع البنوك تعرضت للقصف ولتدمير جزئي أو كلي.
ويقوم النظام الجديد بتسوية وتنفيذ المدفوعات والحوالات المالية الداخلية بين البنوك وشركات خدمات الدفع الخاضعة لإشراف سلطة النقد، بشكل فوري على مدار الساعة، وبعملة الشيكل في هذه المرحلة، بحيث تُرصَّد المبالغ في حساب المستفيد بشكل لحظي وفوري، الأمر الذي سيمكن الموظفين والمتعاملين من تنفيذ معاملاتهم المالية الكترونياً، وسيخفف من الأزمة الحادة الناتجة عن نقص السيولة في قطاع غزة.
ودعت سلطة النقد المواطنات والمواطنين في قطاع غزة، إلى تثبيت تطبيقات البنوك الإلكترونية التي يتعاملون معها، والمحافظ الإلكترونية لشركات خدمات الدفع على هواتفهم الذكية، ومراجعة الخدمات الإلكترونية الجديدة التي سيتم من خلالها تنفيذ معاملات الدفع والتحويل، باستخدام هذا النظام، هذا وقد طلبت سلطة النقد من المصارف والشركات تعزيز مراكز الاستعلامات الهاتفية، لمساعدة المواطنين على الجاهزية للاستفادة من النظام الجديد، كما وقامت بالتنسيق مع الشركات المزوّدة لخدمات الانترنت، لتوفير خدماتها في مراكز البيع وتجمعات المواطنين والنازحين، لمساعدتهم على استخدام التقنيات الجديدة، في تنفيذ معاملاتهم وتلبية احتياجاتهم.
كتب: محمد الجمل