شهد الأسبوعان الماضيان عودة جماعية لمئات الآلاف من النازحين إلى ديارهم، ممن أجبرهم الاحتلال على ترك بيوتهم وأحيائهم، والنزوح باتجاه مناطق داخل القطاع.
وشكل عودة النازحين إلى محافظتي غزة وشمال قطاع غزة، وكذلك محافظة رفح، وشرق مدينة خان يونس، إعادة رسم الخارطة الديموغرافية في القطاع وفق ما كانت عليه في السابق، ما يعني فشل مخططات الاحتلال، التي سعى جيشه لتطبيقها على مدار أكثر من 15 شهراً، عبر تفريغ مناطق واسعة في القطاع من سكانها، من خلال خطط متلاحقة، كان آخرها ما يسمى "خطة الجنرالات"، التي هدفت لتفريغ جميع مناطق شمال القطاع من السكان.
عودة وانتصار
وبدت علامات الفرح واضحة على وجوه النازحين وهم يجتازون محور "نتساريم"، متجهين شمالاً، والذي كان محرماً عليهم حتى مجرد الوصول إليه، إذ كان معظمهم يجتازونه سيراً على الأقدام من خلال شارع الرشيد الساحلي، وآخرون عبر مركبات من خلال شارع صلاح الدين.
وكان النازحون يرفعون شارات النصر وهم يجتازون المحور المذكور، وآخرون يسيرون وهم يتأملون المنطقة حولهم، بعد أن غادروها قبل أكثر من عام.
وقال المواطن محمد المصري، إنه يعود اليوم إلى بيته شمال غرب مدينة غزة، بعد نزوح وتهجير طويل، شمل الإقامة في أكثر من منطقة بالقطاع، كان آخرها مواصي خان يونس.
وأكد أن ما حدث هو انتصار لإرادة الشعب الفلسطيني، وكسر لإرادة المحتل، الذي سعى لتهجير السكان، وخلق واقع ديموغرافي جديد داخل غزة، لكن الآن كل هذا فشل، ورهانات التهجير فشلت وستفشل، وها هو عائد إلى بيته برفقة عائلته، مرفوع الرأس، يرافقه عشرات الآلاف من العائلات الاخرى، ليقيموا في المناطق التي ولدوا وعاشوا فيها عقوداً طويلة.
وأوضح المصري أنه لم يفقد الأمل لحظة واحدة بالعودة لشمال القطاع، رغم كل ما أشيع عن تحويل حاجز نتساريم لمنطقة تواجد دائمة للاحتلال، وإنشاء مواقع وتجهيزات تشي بذلك، وإطلاق تصريحات حول تهجير سكان القطاع، لكن كل هذا تحطم على صخرة صمود الأهالي، وبسالة المقاومة.
مناطق تخلو وأخرى تتكدس
وتجاوز عدد النازحين ممن وصلوا بالفعل لمدينة غزة ومحافظة شمال القطاع، نحو 600 ألف مواطن خلال الأيام الخمسة الأولى من فتح الحاجز "صباح الاثنين الماضي"، جميعهم تركوا خيامهم، وحاجياتهم، وعادوا إلى بيوتهم وأحيائهم، بعد غياب قسري استمر أشهر طويلة.
وتقول المواطنة سوما الفيراني، إنها غادرت جنوب القطاع بعد أن مكثت فيه 14 شهراً، تنقلت خلالها بين محافظتي رفح، وخان يونس، وأقامت تارة في خيمة، وتارة أخرى في مدرسة، وأخيراً في مبنى مؤسسة أهلية.
وذكرت الفيراني أن رحلة العودة لشمال القطاع كانت صعبة وشاقة، لكنها ممتعة وتخللها أجواء احتفالية، فرغم انها سارت برفقة عائلتها أكثر من 6 ساعات على الأقدام، إذ أوصلتهم المركبة حتى "تبة النويري"، شمال غرب مخيم النصيرات، وسط القطاع، ثم اجتازوا محور "نتساريم"، من خلال شارع الرشيد مشياً على الأقدام، إلا أنها كانت سعيدة، وقلبها يدق شوقاً للعودة لمدينة غزة، ومعانقة شقيقاتها اللاتي تركتهن هناك منذ أشهر طويلة.
وأكدت أنها فوجئت بحجم الدمار الكبير في مدينة غزة، والذي غير معالم المناطق بشكل كامل، ووجدت بيتها مُدمر، وهي تستعد لرحلة نزوح مستمرة، لكنها فرحة لعودتها لشمال القطاع، وتثق بأن إرادة الشعب ستعيد إعمار ما دمره الاحتلال.
بينما قال المواطن ياسر فارس، إنه عاد لمدينة غزة، بعد رحلة نزوح وعذاب طويلة، ولم يصدق حين وصل شقته أنها مازالت قائمة، إذ أخبره البعض أنها دُمرت، إلى جانب شُقتين يمتلكهما أبنائه، موضحاً أن فرحة العودة كانت كبيرة، بعد أن وجدوا منزل يأويهم.
وأشار إلى أن سيول بشرية تتدفق من جنوب ووسط القطاع باتجاه الشمال، وحين وصل شاهد زحام كبير في غزة، حيث عادت شوارع المدينة تنبض بالحياة، بعد أن ظلت لفترات طويلة شبه خالية من المواطنين، كما أخبره من بقي هناك.
المواصي تخلو من النازحين
ومازالت مناطق مواصي محافظة خان يونس، تفقد المزيد من قاطنيها بشكل يومي، حيث غادرها مئات الآلاف من النازحين منذ بدء تطبيق اتفاق التهدئة، معظمهم عادوا لمدينة غزة، وآخرون لمناطق شمال رفح، أو شرق خان يونس.
وباتت مخيمات النازحين شبه خالية من قاطنيها، ومعظم الخيام إما جرى تفكيكها أو تُركت، خالية من أصحابها، بينما فرغت الشوارع من المارة، وما عاد الزحام موجوداً، وتراجع عدد البسطات الموجودة في تلك المنطقة.
ويقول المواطن ناصر سلامة، إنه تأخر عن العودة إلى منزله في مناطق شرق مدينة رفح، بسبب تعرضه لأضرار جسيمة، وهو بحاجة لصيانة، وفوجئ بأن منطقة المواصي تخلو من النازحين بشكل تدريجي، حتى باتت بعض المخيمات فيها خالية، إذ غادر نحو 80% من سكانه خيامهم، حينها بدأ يستوحش، ويشعر بالوحدة، وقرر تعجيل عودته لمنزله، وعمل لمدة يومين، حتى استطاع تأهيل غرفتين، وعاد ليقيم فيهما، خاصة بعد أن شاهد جيرانه سبقوه بالعودة لبيوتهم.
وأشار إلى أن سكان القطاع، يعيدون رسم الخارطة الديموغرافية كما كانت قبل الحرب، متوقعاً أن يحدث إعادة انتشار شامل للسكان، وتعود الأحياء والمدن التي أُخليت قسراً من سكانها، مكتظة، وعامرة بالحياة من جديد.
في حين يقول المواطن إسماعيل النجار، من سكان منطقة المواصي الأصليين، إن الأخيرة بدأت تعود لما كانت عليه قبل الحرب، فهي في الأصل منطقة خالية من السكان، عدا عدد قليل من العائلات، وقد اكتظت نتيجة لظروف الحرب، والآن النازحون يغادرونها.
وأكد النجار أن من بقي في مواصي خان يونس، هم نازحين من الجزء الجنوبي من محافظة رفح، ممن لم يستطيعوا العودة لأحيائهم، وثمة توقعات بأن يفكك هؤلاء خيامهم في القريب العاجل، خاصة أن جهات الاختصاص تقوم حالياً بتجهيز مخيمات في مناطق شمال رفح، مُخصصة لاستقبال النازحين، ممن دُمرت منازلهم.
وأكد أنه وبالإضافة لمغادرة النازحين، ثمة الكثير من المؤسسات والجهات الخدماتية تُفكك منشآتها، التي وضعتها لخدمة النازحين، كما أن الكثير من مظاهر الحياة بدأت تختفي في منطقة المواصي، منها على سبيل المثال الأسواق العشوائية، بينما تراجع الازدحام في منطقتي "الأقصى"، و"العطار"، والتي كان مجرد المشي فيهما قبل أسبوع واحد أمر بالغ الصعوبة.
وتعهد نازحون بإعادة العيش في مناطق جنوب مدينة رفح، بعد انسحاب الاحتلال من محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، رغم ما تعرضت له تلك الناطق من عمليات تدمير واسعة.
كتب: محمد الجمل