يواصل الاحتلال فرض ما بات يُعرف بـ"المناطق العازلة"، حول القطاع من الجهات الأربعة، بما في ذلك الواجهة البحرية، ويمنع المواطنين من الاقتراب منها، مُحاولاً فرض وقائع جديدة على الأرض.
وأضحت هذه المناطق بمثابة كابوس يؤرق المواطنين، ويمنعهم من العودة إلى بيوتهم، ويقتضم مساحات كبيرة من قطاع غزة، ويكرس احتلاله.
تقسيمات المناطق العازلة
وتنقسم المناطق العازلة داخل قطاع غزة إلى 3 أجزاء، الجزء الأول وهي حدود القطاع مع الأراضي المًحتلة عام 1948، وتم فرض منطقة عازلة على طولها بعمق يتراوح ما بين 500-1000 متر، تمتد من خط التحديد شمال القطاع وشرقه، وصولاً إلى عمق أراضي المواطنين، وبموجبها يُسيطر الاحتلال على مناطق زراعية وسكانية، ويمنع المواطنين من العودة إلى تلك المناطق.
أما الجزء الثاني وهو منطقة عازلة جرى إقامتها على محور صلاح الدين الحدودي مع مصر "فيلادلفيا"، تمتد هذه المناطق ما بين 700-1000 متر، وهي تُسمى محلياً "مناطق حمراء"، كل من يدخلها يواجه خطر الموت، وتسببت بمنع نحو 150 ألف مواطن من العودة لبيوتهم، وقسمت رفح إلى منطقتين، وفرضت واقع جديد قاسي على الجميع.
اما الجزء الثالث وهي المنطقة العازلة البحرية، وهي تشمل بحر قطاع غزة بالكامل، وقد فرض الاحتلال فيها حظر كامل، يشمل الصيد، والسباحة، وكل الأنشطة البحرية، وتحرسها زوارق وقطع حربية إسرائيلية، تتواجد باستمرار على طول الشاطئ، وتُطلق النار تجاه كل صياد أو قارب يُحاول دخول البحر، وتعتبر هذه المنطقة من أخطر المناطق، كونها مقابلة لمخيمات النزوح المُكتظة بالنازحين، وتسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا خلال الفترات الماضية.
مناطق الموت
وعمل الاحتلال على فرض المناطق المذكورة بالنار، إذ أقام فيها أبراج آلية "رافعات"، مُزودة برشاشات ثقيلة، وبنادق قنص، ونشر على طولها دبابات، بينما تُحلق طائرات مُسيرة في الأجواء بشكل مُكثف، لاستمرار فرض هذه المنطقة.
ويقول المواطن أحمد سلامة، إن المناطق العازلة التي فرضها الاحتلال داخل القطاع، يتعامل معها الجيش الإسرائيلي وكأنها مناطق خاضعة لسيطرته، ويحظر على أي شخص دخولها، وبمجرد اقتراب أي أحد منها يتم فتح النار عليه دون سابق إنذار أو تحذير، ويتم قتله أو إصابته، وأحياناً اعتقاله.
وأكد سلامة لـ"فلسطين بوست"، أنه وبسبب هذه المناطق، مازال عاجزاً عن العودة لمنزله شرق رفح، رغم أنه لم يُدمر، وحاول ابنه الوصول للبيت في السابق، لجلب بعض الاحتياجات منه، لكنه تعرض لإطلاق النار، ونجا بأعجوبة، حينها قرر ألا يصل أحد للبيت، فمهما كان المنزل والممتلكات غالية، إلا انها ليست بأغلى من أرواح أفراد عائلته.
وأوضح أن المنطقة التي تقع في محيط بيته تحولت إلى مناطق عسكرية مُغلقة، تُسيطر عليها الآليات، وتخضع لغطاء ناري كثيف من الرافعات، ولا أحد يستطيع حتى الاقتراب منها.
وأشار إلى أنه يتمنى أن ينتهي هذا الكابوس، ويتم إزالة المناطق العازلة حتى يتمكن من العودة إلى منزله، فهو ينظر إليه من بعيد ولا يستطيع حتى الاقتراب منه.
ولفت إلى أن المناطق العازلة بشكلها الجديد، من شأنها أن تتسبب بأضرار اقتصادية وزراعية كبيرة، فآلاف الدونمات من أخصب وأجود الأراضي الزراعية تتواجد في قلب تلك المناطق، ولن يكون بالإمكان زراعتها، أو استصلاحها في المستقبل.
في حين أكد مواطنون أن المنطقة العازلة جنوب رفح، تُعتبر من أخطر المناطق، وبسببها مازالت غالبية مناطق جنوب رفح مناطق عمليات عسكرية، رغم مرور أكثر من أسبوعين على اتفاق التهدئة.
وقال المواطن محمود عبيد، وحاول أكثر من مرة الوصول إلى رفح، لكنه لم يستطع، إن الاحتلال أقام رافعات، وأبراج آلية، ونشر دبابات، تكشف المنطقة بالكامل، وتفرض حصار ناري مُحكم عليها.
واكد عبيد لـ"فلسطين بوست"، أنه ومنذ بدء اتفاق التهدئة، تسببت هذه المنطقة في سقوط عشرات الشهداء والجرحى، فالرافعات، والدبابات، والمُسيرات، تقتل كل شخص يحاول الوصول لجنوب رفح.
وأشار إلى أن المنطقة العازلة المذكورة، مازالت مسرحاً لعمليات الجيش الإسرائيلي، حيث يستغل الاحتلال وجوده في تلك المنطقة لتدمير المزيد من المنازل، خاصة في حي السلام، ومخيم يبنا، ومناطق حي تل السلطان، والحي السعودي، وكأن الاحتلال عازم على استكمال تدمير جنوب محافظة رفح، ولا يريد أن يبقى بيت واحد فيها.
وأوضح عبيد أن استمرار وجود الاحتلال جنوب المدينة، وفرض المناطق العازلة، سيكون بمثابة كارثة تحل على الجميع، لذلك من المهم إنهاء هذه المناطق على وجه السرعة.
وتمنى عبيد وغيره من المواطنين، أن ينسحب الاحتلال من محور صلاح الدين، وتنتهي المنطقة العازلة بأسرع وقت ويعود الناس لبيوتهم.
ووفق اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه برعاية مصرية وقطرية، فإن الانسحاب من محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، من المفترض أن يحدث في بداية المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تبدأ بعد انتهاء المرحلة الأولى ومدتها 42 يوماً.
واقع جديد
ويرى خبراء ومحللون أن الاحتلال من خلال إقامة المناطق العازلة يهدف إلى تقليص مساحة قطاع غزة، وتعزيز الأمن لمستوطناته، في محاولة لمنع هجمات جديدة مشابهة لتلك التي حدثت في السابع من أكتوبر من العام 2023.
وأكد خبراء ومصادر أمنية أن الاحتلال يعمل على تزويد المناطق العازلة الجديدة بمنظومات مراقبة فائقة التطور، تشمل أبراج آلية، وكاميرات مراقبة ذات دقة عالية، تعمل في الليل والنهار، وفي مختلف الظروف، بالإضافة لتعزيزها بوحدات جديدة من الجيش.
وكانت وسائل إعلام عبرية أكدت أن المستويين العسكري والسياسي قررا إنشاء مناطق عازلة في قلب قطاع غزة، من الناحيتين الشرقية والشمالية، ومن أجل ذلك قامت قوات الجيش الإسرائيلي بهدم آلاف المنازل، بل وتدمير أحياء ومخيمات بأكملها، كما حدث في منطقة خزاعة شرق خان يونس، ومخيمي البريج، المغازي، وحي الشجاعية، وبلدتي بيت حانون، وبيت لاهيا، شمال القطاع.
كتب: محمد الجمل