لم يكتف الاحتلال بمئات الخروقات التي نفذها منذ بدء تطبيق اتفاق التهدئة، عبر إطلاق النار اليومي، والتوغلات، ومنع تنفيذ "البروتوكول الإنساني"، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، عبر الانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت "إسرائيل" عليه، وأقرته حكومتها، وجرى المصادقة عليه من مختلف الدوائر السياسية الإسرائيلية.
وفوجئ العالم أجمع، بتبني رئيس الوزراء الإسرائيلي "بن يامين نتنياهو"، مقترحاً قدمه مبعوث الرئيس الأميركي "ستيفن وتيكوف"، والذي يشمل تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، مقابل الإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين المُتبقين لدى فصائل المقاومة، متجاهلاً تماماً الاتفاق الذي جرى توقيعه في العاصمة القطرية الدوحة، في شهر يناير/كانون أول الماضي، والذي ينص على الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل إعلان صريح بإنهاء الحرب، والانسحاب الشامل من قطاع غزة، والبدء بإجراءات الإعمار.
انقلاب على الاتفاق
ويرى محللون وخبراء، بأن ما فعله الاحتلال يُمثل انقلاب حقيقي على الاتفاق، ومحاولة للتهرب من استحقاقاته، وهذا التلاعب من قبل بن يامين نتنياهو، يهدف إلى الإبقاء على ائتلافه الحكومي الهش، فالدخول في المرحلة الثانية قد يتسبب بانهيار هذا الائتلاف.
واكد محللون أن موقف نتنياهو الأخير، وما تبعه من منع وصول المساعدات الإنسانية، وجه تطمينات للشركاء في ائتلاف حكومته، وكذلك ورقة مساومة قبالة واشنطن، من أجل الموافقة على طلبه لتمديد فترة المرحلة الأولى من الاتفاق، وهو ما عبر عنه مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط "ستيفن وتيكوف"، الذي سيجري جولة للمنطقة هذا الأسبوع، لبحث سبل الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار.
وترجح قراءات المحللين والباحثين بالشأن الإسرائيلي أن تل أبيب ستذهب للمرحلة الثانية من الصفقة وإن كانت بعد تأخير، وأشاروا إلى أن المرحلة الثانية تعني إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي كلياً من القطاع، وتوسيع البروتوكول الإنساني، والتحضير لمفاوضات إعادة الإعمار، وهي المرحلة التي يخشى نتنياهو أن تؤدي إلى تفكك حكومته.
ويرى المُحلل السياسي طه إغبارية، إن المماطلات الإسرائيلية عملياً بدأت منذ اللحظة الأولى لسريان الاتفاق، حيث تجاوزت الخروقات الإسرائيلية حوالي 300 خرق منذ التوصل لاتفاق صفقة التبادل.
وأوضح إغبارية أن الخروقات والمماطلات الإسرائيلية تعكس ديدنها في التهرب من الاستحقاقات، مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى الحسابات الداخلية لنتنياهو بكل ما يتعلق في الحفاظ على حكومته وعدم تفككها، وكذلك بالفشل في عدم تحقيق أهداف الحرب المعلنة، والمتعلقة بالقضاء على حركة "حماس" سياسياً وعسكرياً، بعد 15 شهراً من الحرب.
وحيال التعقيدات الداخلية والإخفاقات بتحقيق أهداف الحرب، يعتقد المحلل السياسي أن نتنياهو يسعى للمناورة في مسألة تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق وعدم الوصول إلى المرحلة الثانية.
تصعيد مُتدحرج
ومنذ انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، بدأ الاحتلال بتصعيد تدريجي في عدوانه على قطاع غزة، من خلال شن غارات جوية، وعمليات قصف مدفعي، وإطلاق نار.
وشهدت بلدة بيت حانون غارة جوية، استهدفت مجموعة من المواطنين، وأسفرت عن وقوع ضحايا، كما شهدت مدينة رفح أقصى الجنوب، قصف مدفعي وعمليات إطلاق نار مُكثفة، بالتزامن مع تقدم للدبابات في أكثر من محور، وغارات متفرقة من مُسيرات، ما أوقع العديد من الضحايا في المدينة.
كما تصاعدت عمليات تحليق الطائرات في الأجواء بشكل مُكثف، بالتزامن مع حركة نشطة للآليات الإسرائيلية داخل وعلى حدود قطاع غزة.
وأعرب مواطنون عن قلقهم من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، التي تزامنت مع تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بن يامين نتنياهو"، هدد من خلالها بإنهاء وقف إطلاق النار، حال لم توافق حركة "حماس"، على تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ولم تُطلق سراح المزيد من الرهائن.
وقال المواطن أيمن عبد الرحيم، ويقطن في مدينة رفح، إن المدينة شهدت تصاعد كبير في الاعتداءات منذ فجر الأحد الماضي، وجرى إطلاق قنابل ضوئية ليلاً بشكل مُكثف، كما أطلقت الدبابات قذائف مدفعية سقطت معظمها في مناطق مخيم الشابورة، ووسط المدينة، وأحياء السعودي، وزعرب، وتل السلطان.
وأكد أن الاحتلال زاد من عدد الأبراج الآلية "رافعات"، وكثف انتشار الدبابات على طول محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، والتي لم تتوقف عن إطلاق النار طوال النهار.
بينما قال مواطنون يقطنون مناطق شرق القطاع، إنهم لمسوا تصعيد كبير في اعتداءات الاحتلال، إذ تعرضت قرى شرق مدينة خان يونس، لإطلاق نار مُكثف، تخلله حركة نشطة للآليات العسكرية، وقد تسبب ذلك في استشهاد شاب.
في حين تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق شمال القطاع، ووسطه، وشهدت عدة مناطق عمليات إطلاق نار متواصلة، تخللها إطلاق قذائف مدفعية وصوتية.
بينما اشتكى نازحون يقيمون في مناطق المواصي الساحلية، من عمليات إطلاق نار مكثفة من زوارق الاحتلال، تعتبر الأعنف منذ بدء التهدئة، تخللها إطلاق قذائف تجاه الشاطئ، ما تسبب بوقوع أضرار كبيرة، بل وشنت طائرة مروحية، غارة استهدفت مجموعة من الأطفال على شاطئ بحر القرارة، متسببة بإصابة عدد منهم بجروح.
مواطنون يخشون عودة الحرب
وأمام هذا الوضع، يخشى مواطنون، خاصة النازحين ممن عادوا إلى بيوتهم حديثاً، من تجدد الحرب كما كانت سابقاً، خاصة بعد التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، التي تشير إلى ذلك، وتصاعد الغارات والقصف.
ويرى المواطن إبراهيم عوض، بأن الاحتلال كان ينوي الانقلاب على الاتفاق منذ البداية، فمنذ اللحظة الأولى يضع العراقيل، ولا يلتزم بالتفاهمات، وفي اليوم 16 من المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، امتنعت إسرائيل عن إرسال وفد للتفاوض بشأن المرحلة الثانية، ثم تبع ذلك تصريحات وتهديدات إسرائيلية باستئناف الحرب، ومؤخراً وضعت إسرائيل اشتراطات لا يمكن لأي عاقل قبولها، وكأنها تقول أريد الأسرى دون وقف الحرب، وهذا أمر إنما يدلل على نوايا إسرائيلية خبيثة، ورغبة في نسف الاتفاق، والعودة للحرب، من أجل الحفاظ على الائتلاف الحكومي الهش، ومنع انهياره.
وأكد أن الأيام المقبلة حاسمة، فإما أن يقوم الوسطاء بحل المعضلة، والضغط على إسرائيل للعودة للاتفاق، أو نسف الاتفاق والعودة للحرب والتصعيد.
وأدى قرار الاحتلال بتشديد الحصار على قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية، في خلق حالة من القلق بين أواسط المواطنين في قطاع غزة، خشية تجدد المجاعة في القطاع، بعد إغلاق الاحتلال المعابر، ومنع دخول السلع والمساعدات.
وتدافع عشرات الآلاف من المواطنين للأسواق، لشراء السلع الغذائية الضرورية، بهدف تخزينها، تحسباً لطول فترة إغلاق المعابر، وتجدد المجاعة، كما كان عليه الحال في شهري تشرين ثاني وكانون أول الماضيين.
كتب: محمد الجمل