دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فصولاً جديدة، أكثر عنفاً وضراوة، وباتت المجازر تُرتكب في جميع أنحاء القطاع على مدار الساعة، حيث تستهدف طائرات الاحتلال مدارس تُستخدم كمأوى للنازحين، وخيام مأهولة، ومنازل مُكتظة، بينما تتوسع العمليات البرية في مناطق متفرقة في القطاع.
ولم يكتف الاحتلال بالقتل والمجازر، إذ بات يستخدم النزوح والتهجير كوسيلة ضغط إضافية على المواطنين، وهو ما صرح وزير الجيش الإسرائيلي "كاتس"، أن هدف العمليات الحالي هو الضغط على السكان المدنيين في غزة.
توسع كبير
ومنذ أواخر شهر مارس/آذار الماضي، يواصل الاحتلال توسيع أوامر النزوح في قطاع غزة، ويُجبر المزيد من المواطنين على الانتقال من منازلهم وأحيائهم في اتجاه مناطق أخرى، خاصة غرب غزة، وغرب خان يونس.
وخلال اليومين الماضيين، أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء جديدة وواسعة، شملت جميع مناطق شمال القطاع "بيت لاهيا، جباليا، بيت حانون"، إضافة لإخلاء مناطق شرق مدينة غزة، منها حيي الشجاعية، والزيتون، ومناطق جنوب ووسط غزة، مثل الصبرة وحي غزة القديم، وحي تل الهوا.
وجاءت أوامر النزوح الأخيرة بعد أيام قليلة على إصدار أوامر نزوح مُشابهة، شملت جميع أحياء ومخيمات محافظة رفح، وكذلك شرق خان يونس، وشرق المحافظة الوسطى، ووسط وغرب مينة غزة.
وشُوهد خلال الأيام الماضية مئات الآلاف من المواطنين يُغادرون منازلهم ويتوجهون نحو مناطق النزوح التي حددها لهم الاحتلال، وقد شهدت تلك المناطق اكتظاظ كبير بالنازحين، وباتت بعض المخيمات غير قادرة على استيعاب المزيد.
ويواجه النازحون ممن طُلب منهم الاحتلال إخلاء مناطقهم مخاطر كبيرة، فحتى خلال تحركهم من مخيماتهم وبلداتهم وأحيائهم، يتم استهدافهم بشكل مباشر، وهذا تكرر عدة مرات.
وحال وصل النازحون إلى مناطق الإيواء التي حددها الاحتلال يتواصل الخطر، فهذه المناطق مازالت تتعرض لغارات جوية مُكثفة، وقصف من الطائرات لا يتوقف، عدا عن مشاكل يواجهونها في المأوى الجديد، مثل عدم وجود مساحات خالية، أو نقص الخيام، أو غيرها من الأمور، ونقص في المياه، وشح شديد في المواد الغذائية بسبب المجاعة.
وأكد مسؤول في مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن نحو 64% من السكان في قطاع غزة يخضعون لأوامر نزوح قسرية، وغالبية السكان أخلوا منازلهم وأُجبروا على الانتقال لمناطق أخرى، سيئة الخدمات.
بينما أكد محللون وخبراء استراتيجيون أن موجة النزوح الحالية التي ينفذها الاحتلال في القطاع، لها هدفين من وجهة النظر الاسرائيلية، الأول الضغط على المواطنين، من أجل إرهاقهم، وبالتالي الضغط على المقاومة لتسليم الأسرى، أو إحداث فتنة داخلية من خلال التظاهرات التي تريدها إسرائيل، وتُحرض عليها سكان القطاع.
والأمر الثاني وفق المحللون، تهدف إسرائيل من ورائه السيطرة على أراضي جديدة، وخلق وقائع مُختلفة في القطاع، من خلال احتلال مناطق واسعة، في مختلف أنحاء القطاع، وهو ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي "بن يامين نتنياهو"، مراراً وتكراراً بأن إسرائيل تريد السيطرة على أراضي في غزة، وفرض وقائع جديدة تفضي لتنفيذ خطة التهجير.
ويقول المواطن وليد سلامة، إنه أضطر للنزوح من مدينة رفح للمرة الثانية، فالأولى كانت في شهر مايو/أيار الماضي، حيث غادر منزله متوجهاً إلى مدينة خان يونس، وقد تنقل في الأخيرة بين أكثر من مكان، حتى عاد لمدينة رفح نهاية شهر يناير/كانون ثاني الماضي، وأقام في بيت أقاربه، نظراً لأن منزله تعرض للتدمير، قبل أن يضطر لمغادرة المدينة مؤخراً.
وأكد سلامة لـ"فلسطين بوست"، أن موجة النزوح الحالية تعتبر الأكبر، فهو يُقيم في مخيم كبير في منطقة القرارة شمال غرب محافظة خان يونس، وكل يوم يصل إلى المخيم نازحين من مختلف أنحاء القطاع، وهم في حالة تعب وإرهاق كبيرة، ويفتقدون لأدنى مقومات الحياة.
وأوضح سلامة أن ثمة مخاوف من إصدار أوامر نزوح جديدة، قد تشمل مناطق وسط القطاع، التي لم يدخلها الاحتلال، وهذا يعني أن الوضع سيزيد صعوبة وسوء في الفترة المقبلة، وسيزيد الضغط على المواطنين.
عزل مناطق عن محيطها
وبالتزامن مع توسيع أوامر النزوح في القطاع، بدأ جيش الاحتلال بمحاولات عزل مناطق واسعة في القطاع عن محيطها، وتحويلها إلى مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
وبدأ جيش الاحتلال سلسلة خطوات وإجراءات تهدف إلى عزل مدينة رفح بالكامل عن باقي أنحاء قطاع غزة، ويًواصل في نفس الوقت إخلائها من سكانها، إما عبر تهجيرهم، أو قتل من بقوا في منازلهم ورفضوا النزوح.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن جيش الاحتلال بدأ أكبر وأوسع عمليات قصف وتدمير للطرقات والمداخل التي تصل مدينة رفح بجارتها خان يونس، حيث أُفيد بشن الطائرات عشرات الغارات استهدفت طريق صلاح الدين، ومفترق "موراج"، ومدخل مدينة رفح الشمالي، ما تسبب بتدمير الطرقات بالكامل، وفضل المدينة عن محيطها.
كما دمرت طائرات الاحتلال وأحرقت مخازن مُساعدات تابعة لعدة مؤسسات خيرية منها اللجنة المصرية لإغاثة أهل غزة، تقع ضمن نطاق مدينة رفح، بينما تُواصل الدبابات تقدمها وزحفها باتجاه أحياء شمال وشرق المدينة، بالإضافة لوسطها، لإحكام سيطرتها عليه.
ووفقاً لمواطنين نزحوا حديثاً من مدينة رفح، فإن الوضع في المحافظة بات سيئاً، والاحتلال يواصل الضغط على ما تبقى من سكان بهدف تهجيرهم، من أجل إخلاء المحافظة بالكامل.
كتب: محمد الجمل