منذ تجدد العدوان على قطاع غزة في 18 آذار مارس الماضي، والاحتلال يُواصل توسيع أوامر النزوح في قطاع غزة، وتُجبر قواته المزيد من المواطنين على الانتقال من منازلهم وأحيائهم في اتجاه مناطق أخرى.
فقد أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء واسعة، خلال الأيام الماضية، شملت جميع مناطق شمال القطاع "بيت لاهيا، جباليا، بيت حانون"، إضافة لإخلاء مناطق شرق مدينة غزة، منها حيي الشجاعية، والزيتون، ومناطق جنوب ووسط غزة، مثل الصبرة وحي غزة القديم، وحي تل الهوا، ومناطق حي الشيخ عجلين غرباً.
وجاءت أوامر النزوح الأخيرة بعد أيام قليلة على إصدار أوامر نزوح مشابهة، شملت جميع أحياء ومخيمات محافظة رفح، جنوب القطاع، وكذلك شرق خان يونس، ووسط وغرب مينة غزة.
تكدس كبير
وشُوهد خلال الأيام الماضية مئات الآلاف من المواطنين يُغادرون منازلهم ويتوجهون نحو مناطق النزوح التي حددها لهم الاحتلال، خاصة في مواصي خان يونس، وقد شهدت تلك المناطق اكتظاظ كبير بالنازحين، وباتت بعض المخيمات غير قادرة على استيعاب المزيد، ولا يوجد مكان يمكن أن يتوجه له النازحون.
وكانت الخيام ومعظمها بالية متلاصقة، ومُكدسة بجانب بعضها البعض، والبعض أقاموا خيامهم في مناطق قريبة من شاطئ البحر، نظراً لعدم وجود أماكن شاغرة.
ويواجه النازحون ممن طُلب منهم الاحتلال إخلاء مناطقهم مخاطر كبيرة، فحتى خلال تحركهم من مخيماتهم وبلداتهم وأحيائهم يتم استهدافهم بشكل مباشر، وهذا تكرر عدة مرات، وتسبب بسقوط شهداء وجرحى.
وحال وصل النازحون إلى مناطق الإيواء التي حددها الاحتلال يتواصل الخطر، فهذه المناطق مازالت تتعرض لغارات جوية مُكثفة، وقصف من الطائرات لا يتوقف، عدا عن مشاكل يواجهونها في المأوى الجديد، مثل عدم وجود مساحات خالية، أو نقص الخيام، أو غيرها من الأمور.
ويقول المواطن النازح أكرم رجب، إنه نزح عن منزله في محافظة رفح، واتجه على نفس المنطقة التي كان يتواجد فيها سابقاً في مواصي خان يونس، لكنه فوجئ بتكدس تلك المنطقة بالخيام، وعدم وجود متسع فيها، وفتوجه لجيرانه القدامى، حيث منحه كل منهم بعض أمتار، حتى أوجدوا متسعاً لخيمته، وأقامها، ومازال يعيش وجميع افراد عائلته البالغ عددهم 9 في خيمة صغيرة وبالية.
وأكد رجب لـ"فلسطين بوست"، أن الوضع في مخيمات النازحين كارثي، وبعض العائلات تقيم في خيام لا تتجاوز مساحتها 15 متر وربع، وهناك عائلات تعيش في خيمة واحدة بشكل مُشترك.
وأشار إلى أن المشكلة تكمن في وصول أفواج من النازحين الجدد على مدار الساعة، وهذا أمر كارثي، فالمخيمات المكتظة لا تستطيع استيعاب المزيد، وهناك مخيمات في مناطق جنوب خان يونس، باتت في دائرة الخطر، ويتم تفكيكها ونقلها للمواصي، ما يزيد الضغط، وسط مخاوف من أن تقوم قوات الاحتلال بإخلاء مربعات وأحياء جديدة، في القطاع، وتطلب من سكانها التوجه لمنطقة المواصي.
تفشي الجوع
وإلى جانب الضيق، وتكدس النازحين في المخيمات، يتواصل الجوع، وتنتشر المجاعة، وتزيد المشكلات التي تواجه النازحين.
ويقول المواطن إسماعيل طالب، من سكان شمال مدينة رفح، إنه اضطر للنزوح وعائلته تحت القصف والغارات، ولم يتمكن من أخذ شيء معه، وبقيت المُعلبات والطحين في منزله، وحين وصل محافظة خان يونس، توجه للسوق لشراء طعام لأبنائه، وقد صُدم بشح السلع وارتفاع الأسعار على نحو كبير، فثمن شوال الطحين الواحد وزن 25 كيلو وصل إلى 450 شيكل.
وأكد طالب أنه يواجه وعائلته حالة من الجوع، ونقص شديد في الطعام، خاصة مع توقف تكيات الطعام المجانية عن العمل، وكذلك توقف تسليم المساعدات الغذائية، فالأمر أصبح كارثي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
بينما أكد المواطن النازح أشرف صالح، إن الأمن الغذائي في مواصي خان يونس في أسوأ أحواله، فلا يتوفر للناس ما يأكلوه، وتوزيع المساعدات توقف، وتكيات الطعام لم تعد تعمل، والأمور تسير نحو الكارثة.
وأوضح صالح أن الناس في المخيمات يواجهون الجوع، خاصة من نزحوا تحت القصف، وتركوا ما تبقى من مواد غذائية خلفهم في بيوتهم، والبعض استشهدوا خلال محاولتهم العودة لبيوتهم، خاصة في رفح، لجلب الطعام منها.
وأكد أنه ولطالما واصل الاحتلال فرض الحاصر، وإغلاق المعابر، ومنع وصول المساعدات الغذائية، سيتواصل الوضع الكارثي في القطاع، ويتزيد حالة الجوع.
عودة الأمراض المعدية للتفشي في القطاع
لم تقتصر مشكلة تجدد النزوح، واكتظاظ المخيمات في مواصي خان يونس وغرب مدينة غزة، على معاناة الخيام ونقصها، وشح المياه، ونقص الطعام بل تعدت ذلك، إذ عادت الامراض المُعدية بمختلف أنواعها تتفشى مجدداً في صفوف النازحين، خاصة الأطفال.
واشتكى نازحون من تزايد إصابات أطفالهم بأمراض الجرب، وأمراض تنفسية وجلدية، إضافة للإسهال الناجم عن تلوث المياه والطعام.
ويقول المواطن يوسف هلال، وقد نزح إلى منطقة مواصي خان يونس منذ أسبوعين، أنه ومنذ الأيام الأولى من نزوحه بدأت الأمراض تتفشى في صفوف أطفاله، إذ عانى بعضهم من أمراض جلدية، فيما يعاني آخرون من إسهال مزمن.
وأكد هلال أنه وعائلته يشربون مياه مستخرجة من أحد الآبار الزراعية، دون أن تخضع لتعقيم، أو حتى فحوصات.
وأشار إلى أنهم يعيشون وسط منطقة مُلوثة، مليئة بالحفر الامتصاصية والمياه العادمة تحيط بهم من كل جانب، وهذا كله تسبب في ارتفاع التلوث في محيطهم، وبالتالي زيادة الأمراض.
بينما أكد نازحون أنهم يشعرون أن الأمور من حيث انتشار الأوبئة والأمراض عادت للمربع الأول من العدوان، وهذا تزامن مع وضع صحي حرج في القطاع، حيث تعاني المشافي من نقص كبير في الإمكانات الطبية، وندرة في الادوية، ما يزيد من صعوبة الأمور.
وناشد نازحون بالعمل على وقف معاناتهم، وإمدادهم بمقومات الحياة، خاصة الخيام، ومياه الشرب النظيفة، ومواد غذائية، وغيرها من المتطلبات المفقودة حالياً.
بدورها، أشارت منسقة الفريق الطبي لدى المنظمة بغزة "كيارا لودي"، إلى أن الأمراض الجلدية التي يعانيها الأطفال "نتيجة مباشرة لتدمير غزة والحصار الإسرائيلي المفروض عليها".
وتابعت: "يعالج طاقمنا عددا متزايدا من الأطفال الذين يعانون أمراضا جلدية مثل الجرب، الذي يسبب معاناة كبيرة، وفي الحالات الشديدة يؤدي إلى خدش الجلد حتى ينزف"
وأرجعت لودي إصابة الأطفال الفلسطينيين بالجرب إلى "عدم قدرتهم على الاستحمام".
وأشارت "أطباء بلا حدود" إلى أن "اليرقان والإسهال والجرب" من أكثر الحالات التي تعالجها طواقمها في خان يونس (جنوب) وهي ناتجة عن نقص إمدادات المياه الآمنة.
وحذرت المنظمة من أن نفاد الوقود الموجود في القطاع من شأنه أن يتسبب بـ"انهيار نظام المياه المتبقي بشكل كامل ما سيؤدي إلى قطع وصول الناس للمياه".
كتب: محمد الجمل