منذ انهيار وقف إطلاق النار في الثامن عشر من شهر مارس/آذار الماضي، جدد الاحتلال عدوانه على القطاع بشكل وحشي وهمجي، وبوتيرة عنيفة ومجازر غير مسبوقة.
فقد استهدف الاحتلال خلال الأسابيع القليلة الماضية مئات العائلات، وقصفت طائراته خيام، ومنازل، ومدارس، وحتى خيام للصحافيين، وسيطر جيشه على مناطق واسعة في القطاع، منها محافظة رفح، التي تبلغ مساحتها 65 كيلو متر، وطرد جميع السكان منها.
مشاهد صادمة
ونجحت كاميرات وعدسات الصحافيين، وحتى الهواة، في رصد وتوثيق جزء من جرائم الاحتلال في القطاع، حيث انتشرت صوراً ومقاطع فيديو تعتبر الأقوى منذ بدء حرب الإبادة.
الصور ومقاطع الفيديو الصادمة التي تُوثق بعضاً من جرائم الاحتلال ومجازره في قطاع غزة، تخرج للعالم، وتُظهر حقيقة ما يحدث في القطاع من إبادة جماعية، وتضع رواية الاحتلال الكاذبة على المحك.
ومن أهم المقاطع المُروعة التي انتشرت على مستوى العالم، كان مقطع وثقه مُسعف لحظة تعرضه ورافقه إلـ15 للإعدام من قبل الاحتلال، وقد لاقى المشهد انتشار وصدى دولي كبير، خاصة أن الجريمة تعتبر مخالفة لجميع القوانين والمواثيق الدولية، وقبلها مقطع أظهر تطاير جثامين الشهداء عالياً بعد غارة على مبنى في القطاع، ومقطع فيديو ثالث وثق احتراق صحافيين داخل خيمتهم، بسبب الغارات الإسرائيلية.
حراك متواضع
ورغم فظاعة المشاهد، وتوثيقها لجرائم الإبادة بطريقة لا تقبل التشكيك، إلا أن ردود الفعل الدولية والعربية لم ترتقِ بعد لمستوى الجريمة، ومازالت تلك الردود باهتة، لم تزد عن تنديدات، وتظاهرت هنا وهناك.
وحركت هذه المشاهد ضمير العالم، حيث أُعلن مؤخراً عن "الإضراب العالمي الشامل"، تضامناً مع قطاع غزة، ورفضا للعدوان الإسرائيلي الوحشي والمستمر.\
وشاركت دول عربية في الإضراب على المستوى الشعبي، حيث أعلنت مؤسسات ونقابات في الأردن والكويت، ومصر، والمغرب، وتونس، عن التزامها بالإضراب، فيما أخذ الإضراب طابعاً رسمياً في الضفة الغربية، والقدس المحتلة، بعد قرار وزارة التربية والتعليم بتعطيل المدارس، وقرارات مشابهة بتعطيل دوائر رسمية.
وأكد ناشطون في الأردن ومصر أن الدعوات محصورة في الإضراب عن العمل لمدة يوم واحد فقط، ولا علاقة لها بالعصيان المدني، أو الاحتجاج على الحكومة.
ويهدف الإضراب إلى الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف جادة لوقف التصعيد الصهيوني في قطاع غزة.
وتشمل الفعاليات توقف الأعمال اليومية، وإغلاق المحال التجارية، والدعوة إلى التظاهر أمام السفارات، مع مشاركة واسعة متوقعة من الشعوب العربية والمجتمع الدولي.
وخلال اليومين الماضيين، خرجت العديد من التظاهرات المؤيدة لفلسطين، مطالبة بوقف الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023
وصفت الإعلامية والناشطة الفلسطينية، أنسام أبو عودة، ما يشهده قطاع غزة بأنه حرب إبادة متكاملة الأركان، حيث لم يسبق أن شهد القطاع حرباً مماثلة.
فقد أكدت أن كل يوم يمر بصمت العالم هو يومٌ يُفقد فيه طفل حياة أو يُهدّم منزل، ما يؤدي إلى دفن الإنسانية تحت وطأة الجرائم المتواصلة.
وأضافت أن الإضراب العالمي لنصرة قطاع غزة يُمثل وقفة صرخة حر ضد هذه الجرائم التي تُبيد كل شيء في القطاع، مطالبين بوقف إبادة الأطفال والكبار على حد سواء.
وأشارت إلى أن الإضراب، وإن بدا مؤقتاً، قد يكون الشرارة التي تُفتح طريقاً لمحطات قادمة تدعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مواجهة المجازر المستمرة. كما أوضحت أن الدعوات لمشاركة إضراب شامل تحظى بتأييد دولي، سواء من الدول العربية والإسلامية أو من القوى الأوروبية والغربية، رغم أن الاستجابة لم تكن على مستوى التوقعات في بعض المدن، بسبب الضغوط الكبيرة على الشعوب المنتفضة التي تؤدي إلى كبت الضمير الإنساني.
تعويل كبير
ويُعول سكان قطاع غزة على تحرك العالم لنصرتهم، رغم أن غالبيتهم يعتبرون الحراك حتى الآن بأنه متواضع، وأقل من المطلوب.
وأعرب مواطنون من سكان القطاع عن صدمتهم حيال الصمت الدولي لما حدث ويحدث من جرائم في غزة، يتم توثيق بعضها بالصوت والصورة، دون أن يتحرك العالم.
وقال المواطن عبد الله الزاملي، إن ما يحدث أمر صادم، فالعالم بدا وكأنه اعتاد المشهد، ولم يعد يتأثر أحد لجرائم الإبادة البشعة التي يرتكبها الاحتلال في القطاع، وهذا أراح الاحتلال وقادته، وجعلهم يتغولون أكثر في دماء أهل غزة، واستباحوا كل منطقة في القطاع، دون أن يخشوا شيء.
وأعرب الزاملي عن اعتقاده بأن الصور ومقاطع الفيديو التي نُشرت مؤخراً لو كانت من دولة أوروبية مثل أوكرانيا مثلا، لقامت الدنيا ولم تقعد، وانعقد مجلس الأمن الدولي، وتحرك حلف الناتو، لكن في حال غزة يبدو أن الأمر لا يهم أحد، وكأن العالم كله اتفق على إبادة أهل غزة، والكثيرون مشاركون في تلك المذبحة بشكل أو بآخر.
وأشار الزاملي إلى أنه وغيره من سكان القطاع مازالوا يعولون على تحرك الشعوب الحرة، حيث جرى مؤخراً بعض التحركات المحدودة، على شكل تظاهرات هنا وهناك، لكنها لم ترتق بعد لحجم الجريمة، ومستوى الإبادة التي تقع في غزة.
وبدأ نشطاء وصحافيون بالتحرك بشكل واسع، وأطلقوا حملات على شبكات التواصل الاجتماعي، تُوثق جرائم ومجازر الاحتلال، وتطالب دول العالم بالتحرك لنصرة أهل غزة، ورفع الظلم عنهم، والعمل على محاسبة الاحتلال على مجازره وجرائمه في القطاع.
كتب: محمد الجمل