هنا في شمال غزة كل شيء حي رغمًا عن كل أسى، عيد الله تروق له القلوب والأجساد، فالذين قتلوا في سبيل الله أحياء يرزقون عند ربهم.. فكيف يقطع الله رزقه عن عباده الصابرين؟!
الأسواق امتلأت بكعك العيد ووزعت الحلوى على الأطفال بعد أشهر من المعاناة وصعوبة إيجاد الحلوى أو حتى الغذاء لسد رمقهم، ولكن الله يبتلي ويختار ويفرج عن عباده في الوقت الذي يعلمه ويحدده.
المساجد جلها دمرت ولكن أماكنها وأبوابها تحمل القداسة ذاتها فجلس الناس ملتفين حولها ورُددت تكبيرات العيد من الكبار والصغار ولكن تكبيرات العيد كان طعمها مختلفًا وهي تشرح ما يعيشه الناس في غزة وتملأ القلب سكينة ورضا بقدر الله .
الصغار يفرحون بالعيد ويلبسون ثيابًا جديدة على الرغم من أن بعضهم فقد والده وآخر فقد أخاه وثالث فقد عائلته ولكنها غزة .. لا يترك أهلها بعضهم ويصرون على صناعة السعادة.
في الشوارع ترى الألعاب يتنافس الصغار حولها ، يجرون ويضحكون ويقفزون في الهواء بابتسامة لامعة فتبتسم أنت معجبًا بصمود الغزي متيقنًا أنه لا قوة تستطيع قلعه من أرضه.
وعن صلة الأرحام فلن أخفيكم أنها كانت مليئة بالألم، يتزاور الناس بعضهم ، فيزورون الأحياء والأموات ممن يتواجدون في شمال غزة فأغلب الزيارات كانت للقبور، فالشهداء كثر والحزن يملأ شغاف القلب ولكن الصبر منفذهم الوحيد، فها هو أبو أحمد فقد أبناءه الستة في أشهر الحرب المتواصلة في مواطن مختلفة، بعضهم دفنت جثتهم وآخرون لم تبق صواريخ الاحتلال شيئًا منهم لدفنه، يزورهم وهو جالس مكانه بدموع في عينيه وآيات من القرآن يسلي نفسه بها.
أما زيارات الأحياء فتقطعها فجوة كبيرة فالأهل مشتتون شمالًا وجنوبًا لا يستطيعون الالتقاء سوى عبر اتصال هاتفي يعبرون به عن مدى شوقهم وحنينهم لأقاربهم وأرضهم وبيتهم، ولا أصعب من قلب بعض الرجال الصامدين هنا وهم يستقبلون العيد منتظرين لزوجاتهم وأبنائهم أن يعودوا إلى شمال القطاع.
أما عن الحرب فسعيرها باقٍ عبر قصف لمناطق مختلفة وارتقاء عدد كبير من الشهداء، ولكنه الأمل يكبر فينتصر.