على مدار الأيام العشرة الماضية، أجبر الاحتلال مئات الآلاف من سكان محافظة رفح، على التوجه إلى مناطق مواصي خان يونس، والأحياء الغربية من المحافظة، وحصرهم في شريط ضيق، يفتقر لأي من مقومات الحياة.
وبدت المخيمات المذكورة مكتظة عن آخرها بالمواطنين والنازحين، وسط شح كبير في الخيام، ما أجبر مواطنين على الإقامة في العراء، أو إقامة خيام بقطع من القماش والنايلون.
حياة بائسة
وأكد نازحون لـ"فلسطين بوست" أنهم وبعد تلقى أوامر بالإخلاء من قبل الاحتلال، وصلوا منطقة المواصي وكانت مكتظة بشكل غير مسبوق بالنازحين، والناس في الشوارع، وعلى الأرصفة، وفي الأراضي الزراعية، والبعض ينامون في العراء بلا خيام.
وأكد النازح محمد النحال، أنه وبالكاد وجد متسع لإقامة خيمة صغيرة، بعد أن اشترى كمية من الخشب والنايلون، والقماش، وبدأ بمعاونة أبنائه بإقامة خيمته، وسط آلاف الخيام التي أقيمت سابقاً.
وأشار النحال لـ"فلسطين بوست"، إلى أن الوضع في مخيمات النزوح بائس، والناس تكاد تكون فوق بعضها، وكل شيء مفقود، والحياة صعبة، موضحاً أن الاكتظاظ في مخيمات النزوح لا يبشر بخير، ففي ظل نقص الخدمات، وشح المياه، ونفاذ مواد التنظيف، بات النازحون على موعد مع موجات جديدة من الأوبئة والأمراض، قد تفتك بهم.
واشتكى نازحون من تراكم النفايات الصلبة بصورة كبيرة، خاصة في محيط جامعة الأقصى، ومحيط الكلية الجامعية غرب خان يونس، إضافة لشح كبير في المياه، ونقص في السلع الغذائية، وانتشار للبعوض والحشرات.
وطالب نازحون في أحاديث منفصلة لـ"فلسطين بوست"، بضرورة إقامة مزيداً من المخيمات، ونصب خيام جديدة لإيواء النازحين، خاصة في مناطق المواصي، وغرب خان يونس، مع تسوية أراضي جديدة في تلك المناطق التي شهدت دمار واسع، لاستيعاب موجات النزوح المتواصلة من محافظة رفح ومحيطها.
وخلال الأيام الماضية وسع الاحتلال دائرة النزوح من محافظة رفح، وطالب من سكان وسط وغرب محافظة رفح النزوح عن مساكنهم والتوجه لمناطق محافظة خان يونس، وهذا يعني أن حوالي 70% من مساحة رفح شملها الإخلاء حتى الآن، وقد شملت أوامر النزوح مناطق شديدة الاكتظاظ.
أزمة مياه
وكان شح المياه في محافظة خان يونس المدمرة، من أكثر المشكلات التي تواجه النازحين، فبات الحصول على جالون مياه يمثل الهم الأكبر للمواطنين والنازحين في خان يونس، إذ يضطر المواطنون لملاحقة شاحنات مياه تحمل صهاريج، تصل لبعض المناطق لتوزيع المياه.
ويقول المواطن أحمد جبر، وهو نازح من محافظة رفح، ويقيم في مناطق مواصي خان يونس، إن المياه في مخيمات النزوح شحيحة، والناس يواجهون صعوبات كبيرة للحصول عليها.
وأكد أنه وابنائه يستيقظون مبكراً، ويقفون في طابور طويل للحصول على جالونين مياه سعتهما الاجمالية 35 لتر، ويجب أن يكفيان العائلة المكونة من 8 أشخاص لمدة 24 ساعة كاملة، ما يعني أن حصة الفرد اليومية لا تتجاوز 4 لتر فقط، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى لاستهلاك الفرد وفق المنظمات الأممية.
وقبل العدوان كان متوسط استهلاك الفرد في قطاع غزة حوالي 77 لتر يومياً، بينما يصل متوسط استهلاك الفرد عالمياً الى 100 لتر ماء يومياً.
بينما أوضح المواطن النازح إسماعيل شكري، أن المياه التي يحصلون عليها مالحة، من بعض المصادر غرب خان يونس مالحة، مخصصة للأغراض المنزلية، وأن أكبر مشكلة تواجهه وغيره من النازحين هي الحصول على مياه الشرب المحلاة، فهي شحيحة وتصل عبر شاحنات على فترات زمنية متباعدة.
ولفت شكري إلى أن حال المواطنين والنازحين في خان يونس مروع، والبعض يضطرون للتوجه إلى مناطق شرق المحافظة للحصول على المياه، وآخرون يتيممون للصلاة، وهناك من يتوجهون للبحر لغسل الملابس والأواني، وحتى الاستحمام.
بينما قال المواطن النازح من رفح أشرف مصطفى، إنه وصل من محافظة رفح بعد أن فر وأسرته من القصف والغارات، وحين وصل خان يونس وجد الوضع هناك مأساوي، دمار كبير طال كل شيء، حتى شبكات المياه، والناس تبحث في مدينة خان يونس عن قطرة مياه للشرب.
وأكد مصطفى لـ"فلسطين بوست" أنهم يواجهون مشاكل وصعوبات في توفير كل شيء، فلا يوجد مصادر كهرباء لشحن البطاريات للإنارة ليلاً، والمياه شحيحة، والمواصلات شبه معدومة، والمواد الغذائية قليلة وأسعارها عالية، والازدحام شديد.
وبين مصطفى لـ"فلسطين بوست"، أنهم ورغم كل الصعوبات يحاولون الاستقرار في تلك المنطقة، والتعامل مع الظروف العصيبة، وتوفير ولو الحد الأدنى من احتياجاتهم.
نازحون وسط الأنقاض
وبعد اكتظاظ مناطق المواصي، واستمرار النزوح، بات من يصلون حديثا من رفح يضطرون للتوجه شرقاً، حيث مناطق حي الأمل، والسطر الغربي، و شارع 5، ومحيط سجن أصداء، وغيرها من المناطق، المدمرة بالكامل، ومعظمها إن لم تكن جميعها لا تصلح مطلقاً للإقامة أو العيش، ولا يوجد بها مياه، أو أي من مقومات الحياة.
ورغم ذلك بقي النازحون في تلك المناطق بلا خيام، أو أي شيء، لعدم وجود مناطق أخرى يمكن الانتقال إليها أو العيش فيها.
ويقول المواطن عمر رزق إنه نزح من رفح تحت وقع القصف، وتوجه لمنطقة مواصي خان يونس، فلم يجد فيها موطئ قدم، ما اضطره للتوجه شرقاً، حتى وصل إلى حي الأمل، لكنه وجد المنطقة مدمرة بالكامل، ولا يوجد فيها أي مقومات للحياة، رغم ذلك قام بتنظيف مساحة صغيرة، ومكث وعائلته بعد أن أقام خيمة من قطع القماش.
وأوضح رزق أن المشهد في محافظة خان يونس، مروعاً، فالمدينة كأنها تعرضت لزلزال، وحال النازحين هناك يرثى له، فمجرد السير على الأقدام أمر صعب من كثرة الدمار، وأكوام الركام، قائلا: " تخيل أن منطقة كانت مسرحاً للعدوان لمدة أكثر من أربعة أشهر، تصبح الآن مكاناً للنزوح".
في حين أكد نازحون أن الاحتلال خدع الجميع، بدعوى وجود مناطق آمنة وبها خدمات، كما كتب في منشوراته التي ألقاها على رفح، والناس توجهوا إلى تلك المناطق، فوجدوها ممسوحة بالكامل، ولا يوجد فيها أي مقومات للحياة.
وقدرت جهات خدماتية عدد النازحين ممن يحتاجون خيام وخدمات أخرى بأكثر من 700 ألف مواطن، وسط توقعات بزيادة أعدادهم مع تواصل موجة النزوح من محافظة رفح.
قلق وخوف يلاحق النازحين
وبالإضافة للحياة البائسة التي يعيشونها في النزوح، وشح الخدمات، يلاحق الخوف والقلق النازحين في خيامهم، لدرجة أن بعضهم لا يستطيعون النوم.
ويقول المواطن أحمد الشيخ عيد، إن مخاوفه وقلقه تنقسم الى قسمين، الأول حول مصيره وعائلته بعد النزوح، وإن كان الاحتلال سعيد اجتياح محافظة خان يونس، ويضطروا للنزوح مرة أخرى، أو يصابوا بأذى.
أما القسم الثاني وفق الشيخ عيد وغيره من النازحين، فهو قلق على مصير بيوتهم، وممتلكاتهم التي تركوها خلفهم في رفح، مع توارد المعلومات ببدء الاحتلال بحملة تدمير واسعة.
وأكد الشيخ عيد لـ"فلسطين بوست"، أن مشاهد الدمار الواسعة في خان يونس، تسببت في زيادة مشاعر الخوف والقلق لدى نازحين رفح، خشية أن تواجه الأخيرة نفس مصير جارتها من الدمار.
بينما قال النازح إبراهيم المصري، إنه حاول أخذ ما يستطيع معه من أغراض خلال نزوح، لكنه ترك في منزله الكثير من الأمتعة والأثاث والأجهزة الكهربائية، وهو قلق على مصير منزله، وكل ما يوجد فيه.
وبين أن المنزل وما به من أثاث ليس مجرد أشياء مادية، فهو يمثل عالم عائلته الخاص، وجدرانه تحتضن ذكرياتهم، وحال تعرض للتدمير فإنهم سيواجهون مصيراً قاسياً وصعباً.
وأكد نازحون لـ"فلسطين بوست"، أنهم يراقبون محافظة رفح من بعيد، وكلما سمعوا أصوات الانفجارات القادمة من رفح، وشاهد من مكان نزوحهم أعمدة الدخان تتصاعد، شعروا بالخوف والقلق، والبعض يجرون اتصالات علهم يحصلون على معلومات لما يحدث في محيط مساكنهم، التي تتواجد في قلب مناطق يسيطر عليها الاحتلال، خاصة مع توارد أنباء قصف عشرات المنازل، وتفجير مربعات سكنية.
كتب: محمد الجمل