تعرض مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إلى واحدة من أبشع وأكبر المجازر منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
فقد بدأت فصول المجزرة عند حوالي العاشرة من صباح أمس السبت، بقصف مكثف وغير مسبوق على المخيم، شاركت فيه طائرات مروحية، وحربية، وبوارج وزوارق حربية، مع قيام قوات إسرائيلية خاصة بإطلاق النار والقذائف تجاه المواطنين في السوق.
ووفق آخر الإحصاءات الرسمية، فإن المجزرة التي امتدت لاحقاً، وطالت مناطق في مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة المجاورتين، تسببت بسقوط أكثر من 210 شهيد، وما يزيد على 400 مصاب.
وتشير تحقيقات مؤسسات حقوقية، وشهادات حية، بأن المركبات الإسرائيلية التي شاركت في العملية، انطلقت وسط قافلة تضم مساعدات إنسانية قادمة من الرصيف البحري الأميركي "الميناء الجديد"، وأن القوات الخاصة الإسرائيلية كانت تختبئ في مركبات وشاحنات المساعدات، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية شاركت في المجزرة.
مجزرة مروعة
ووفق روايات وشهادات حية حصلت عليها "فلسطين بوست"، فإن ما حدث كان مجزرة كبيرة وغير مسبوقة في المخيم المكتظ، والاحتلال صب حمم النار من الأرض والجو على جميع الأهداف في سوق النصيرات، والمناطق المحيطة به.
وقال المواطن يوسف مروان، ونزح من مخيم النصيرات باتجاه بلدة الزوايدة، إن الوضع كان طبيعياً في النصيرات، والسوق مكتظ بالمواطنين، وفجأة سُمع دوي إطلاق نار كثيف قرب مستشفى العودة، وظن الناس أنه إطلاق نار لتأمين مساعدات كما يحدث في بعض الأحيان، لكن ما هي إلا دقائق حتى بدأ الشهداء والجرحى يتساقطون في السوق، ثم وصلت الطائرات، وبدأت عشرات الغارات الجوية بشكل عنيف، والانفجارات سُمعت في كل مكان.
وأوضح مروان أن 7 طائرات مروحية على الأقل كانت تطلق النار في كل الاتجاهات، خاصة في محيط السوق، والمنازل المجاورة، وتساقط الشهداء والجرحى بالعشرات في كل مكان.
بينما قال مواطنون لـ"فلسطين بوست"، إن كثافة النار غير المسبوقة، جعلت الناس يفرون من منازلهم، للنجاة بأرواحهم، لكن الطائرات "المُسيرة"، من طراز "كواد كابتر"، لاحقتهم، وأطلقت النار تجاههم بشكل كثيف، فسقط المزيد من الشهداء.
وقال المواطن أحمد حسان، الذي غادر المخيم نازحاً الى مواصي خان يونس، إن ما حدث كان مروعاً، والناس غادروا بيوتهم فزعين، والأخطر من ذلك أن القصف امتد وطال مناطق النزوح، مثل مدينة دير البلح، وبلدة المغازي، وهذا خلق حالة نزوح جديدة باتجاه مواصي خان يونس.
وأكد حسان لـ"فلسطين بوست"، أن الكثير من النازحين اتجهوا غرباً، وفروا من خلال الشريط الساحلي، غير أن الزوارق الإسرائيلية أطلقت النار بكثافة تجاههم، ما تسبب بوقوع شهداء وجرحى في صفوفهم.
فيما قال المواطن حازم شقفة، وفر هو الآخر باتجاه بلدة الزوايدة، إن الاحتلال لم ينذرهم، أو يطلب منهم إخلاء المنطقة، فقد فوجئوا بكثافة نارية غير مسبوقة على المخيم، والقصف كان عنيفاً وعشوائياً، وتركز على البيوت المحيطة بالسوق.
وأكد أن الناس لم يكن أمامهم خيار سوى الفرار، فتركوا كل شيء واتجهوا غرباً أو جنوباً للنجاة من الموت، موضحاً أن رحلة النزوح كانت خطيرة، قائلاً: "كانت القذائف تتساقط كالمطر، وطائرات "كواد كابتر" تُطلق النار تجاه النازحين، والشهداء والجرحى كانوا في الطرقات".
اعدامات ميدانية وشهادات مفزعة
ووثق المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، مجموعة من الشهادات المروعة، لعمليات إعدام ميدانية نفذتها قوات الاحتلال في مخيم النصيرات، منها استخدام الاحتلال سلم خارجي لدخول منزل الدكتور أحمد الجمل، وفور دخول الجنود المنزل أعدموا المواطنة فاطمة الجمل، ثم جرى اقتحام المنزل وإعدام زوجها الصحفي عبد الله الجمل، وكذلك إعدام والده الدكتور أحمد أمام أحفاده، قبل أن يُطلق الجنود النار على ابنته زينت، ما تسبب بإصابتها بجروح بالغة.
بينما نقل مواطنون شهادات مفزعة، منهم أحد الجرحى المتواجد في مستشفى شهداء الأقصى، والذي أكد أنه كان يسير في وسط السوق، وكان أمامه شاحنة محملة بملابس وأواني، وفجأة قفز منها نحو 10 أشخاص "جنود بلباس مدني"، وأطلقوا النار بشكل كثيف تجاه الناس، ما تسبب بإصابته بثلاث رصاصات في يده وصدره، موضحاً أنها شاهد قبل أن يفقد الوعي عشرات المصابين والشهداء في الشارع.
في حين قالت إحدى الجريحات، وهي والدة أحد الشهداء، أنها كانت تبحث عن ابنها المفقود، وتحاول جمع أشلائه من الشارع، وقد وجدت معظم أفراد العائلة بين شهيد وجريح.
وأكدت أنها شاهدت أشياء مروعة لا يمكن وصفها، فالشهداء بالعشرات كانوا في الشوارع، وجرحى يصرخون ويطلبون النجدة، والصواريخ تنهمر باتجاه المواطنين.
مستشفى شهداء الأقصى يكتظ بالشهداء والجرحى
وعلى مدار 6 ساعات متواصلة، استقبلت مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، عدد كبير من الشهداء والجرحى.
فقد فوجئ العاملون في مستشفى شهداء الأقصى، وهي المستشفى الوحيد المتواجد حالياً في محافظة وسط القطاع، بتوافد مئات الشهداء الجرحى بصورة متسارعة، ما خلق حالة ضغط وارباك في المستشفى، وتسبب بزيادة حالة الاكتظاظ الموجودة منذ مدة.
وأكد أطباء يعملون في المستشفى، أنهم تلقوا خلال الساعات الأولى من المجزرة نحو 210 شهيد، وما يزيد على 400 مصاب، وبعض الإصابات كانت حرجة، وبحاجة لتدخلات طبية معمقة، وعمليات جراحية معقدة، وهذا تسبب بتكدس غرف العمليات، وغرف العناية الفائقة، واضطرت المستشفى لنقل بعض الإصابات لمشافي جنوب القطاع، رغم اكتظاظها هي الأخرى بالجرحى والمرضى.
وأكدت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن الطواقم الطبية واجهت صعوبات كبيرة في السيطرة على الأعداد المتزايدة من الإصابات نتيجة القصف المتواصل على عدة مناطق في المحافظة الوسطى.
ووفق مصادر طبية، مازال عدد كبير من الجرحى، من ضحايا المجزرة يعالجون داخل مشافي في مناطق وسط وجنوب القطاع،، وسط توقعات بارتفاع عدد الشهداء في الساعات المقبلة، نظرا لخطورة بعض الإصابات، خاصة في ظل منع الاحتلال سفر الجرحى للخارج.
مجزرة إسرائيلية أميركية
من جهته ندد المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، بالمجزرة الإسرائيلية التي ارتكبت في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، داعياً للتحقيق في استخدام الرصيف الأميركي العائم المخصص لنقل إمدادات إنسانية في أغراض عسكرية ساهمت في المجزرة.
ووفق المرصد فإن القصف الإسرائيلي ركز على منطقة السوق المركزي الذي يضج بالآلاف من السكان يومياً في مخيم النصيرات والمناطق المحيطة، وطال لاحقاً اغلب مناطق وسط القطاع.
وبحسب المرصد فقد اتسمت عملية جيش الاحتلال بشن هجمات جوية ومدفعية عشوائية كثيفة للتغطية على انسحاب القوات الإسرائيلية، ما أسفر عن خسائر مفرطة في أرواح المدنيين، ووقوع عدد كبير من الإصابات، وإلحاق أضرار واسعة بالأعيان المدنية.
وأكد المرصد أن "إسرائيل"، خالفت بشكل جسيم قواعد القانون الدولي الإنساني، بما يشمل مبادئ الإنسانية، والتمييز، والضرورة العسكرية، والتناسب، واتخاذ الاحتياطات الواجبة.
وأوضح المرصد أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وما تخلفه من نتائج وآثار بإحصائيات مفزعة، من أعداد الضحايا وشدة التدمير، تؤكد أن ما فعلته ولاتزال تفعله يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قائمة بحد ذاتها.
وبحسب المرصد فإن هذه الأعمال تأتي في إطار جريمة الإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي دخلت شرها التاسع.