أيقونة العملات

العملات

الدولار اليوم
اليورو اليوم
أيقونة الطقس

الطقس

أيقونة الإشعارات

اشعارات

تقارير بوست

العمل الحر في غزة وسيلة للنجاة رغم فقدان الشغف

17 مايو 2025 - بقلم: لينا علي

شكّل العمل الحر في السنوات الأخيرة مصدر دخل أساسي لشريحة واسعة من سكان قطاع غزة، خاصة في ظل القيود الاقتصادية والسياسية المستمرة التي تعرقل فرص التوظيف.

ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، تأثر قطاع العمل الحر بشكل مباشر، سواء من حيث البنية التحتية التكنولوجية، أو من خلال انقطاع الخدمات الأساسية، أو بسبب الصدمات النفسية والاقتصادية التي يتعرض لها العاملون المستقلون.

تحاول شريحة كبيرة من العاملين في هذا المجال استعادة باب رزقهم والمحاربة للحصول على مصدر دخل يساعدهم على العيش في ظل الغلاء الفاحش الذي يعيشه القطاع بسبب شح الموارد الأساسية في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة.

فقد الشاب موسى طومان (26) عاماَ الذي يعاني من إعاقة جسدية، عمله كمصمم جرافيك عن بعد منذ بداية الحرب على غزة، بسبب الانقطاع الدائم للإنترنت والكهرباء في قطاع غزة.

ويواجه اليوم، صعوبات شتى في استعادة عمله أو الحصول على فرصة جديدة، ليس فقط في أزمة الحصول على كهرباء أو إنترنت، بل أيضا بسبب صعوبة الوصول إلى بيئة عمل آمنة يستطيع العمل منها.

وأوضح موسى أن حالته النفسية تأثرت بشكل كبير على قدرته على الإنجاز، في وقت أصبح فيه الخروج من المنزل يشكل خطرا كبيرا وتحدياَ، نظرا لمخاوف عائلته عليه بسبب استهداف الاحتلال للأماكن العامة والشوارع وبعد المسافات من مكان لآخر خاصة في ظل انعدام المواصلات وارتفاع تكلفتها. 

وأشار موسى إلى أن العديد من العملاء في الخارج بحاجة إلى إنجاز واستلام مهامهم في وقت قصير ومحدد دون تأخير، الأمر الذي بات شبه مستحيلا مع الأزمات التي يمر بها القطاع.

زادت هذه التحديات بعد تعرض جهازه الحاسوب إلى أعطال وعدم توفر قطع غيار وتكلفة الإصلاح الباهظة، ما اضطره إلى بيع بعض من ممتلكاته الشخصية لشراء جهاز مستعمل بحالة متوسطة ليتمكن من مواصلة السعي وراء فرصة عمل تمنحه بصيص أمل في الاستمرار. 

التشتت النفسي والنزوح يقيدان الإبداع

تعاني (سجى) من تراجع كبير على دخلها منذ أن فقدت عملها الذي كانت تعتمد عليه كمصدر رزق وحيد. ورغم حصولها مؤخرا على فرصة عمل جديدة، إلا أن مستوى الدخل ما زال منخفضا مقارنة بالغلاء الذي يمر به القطاع خلال الحرب، وما كانت تحصل عليه من دخل قبل الحرب.

وأكدت سجى أن بعض العملاء يبدون تعاطفا كبيرا مع ما يمر به العاملون في قطاع غزة لكن توقعاتهم المرتفعة تبقى عبئاً في وقت تصارع هي وغيرها قلى التركيز وتدهور حالتها النفسية، فهم في نهاية المطاف بحاجة لإنجاز عملهم في وقت محدد وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الانقطاعات المستمرة للكهرباء والإنترنت والنزوح المتكرر من مكان لآخر جعل من الصعب العمل بشكل منتظم وتسليم مهامها في وقتها. 

أما (سمية)، فتجد نفسها في مشهد يومي من القلق والتحدي إذ تضطر إلى قطع مسافة 4 كيلومترات يومياَ للوصول إلى مساحة عمل مدفوعة رغم ازدحامها وعدم ملاءمتها لعملها ككاتبة محتوى الذي يحتاج إلى تركيز مستمر. إذ تشعر بأنها ممزقة بين الحاجة للعمل وتأمين أساسيات الحياة خاصة بعد فقدان عدد من العملاء والعقود، وتسعى حالياً للالتزام بمشروع واحد حصلت عليه بشق النفس.

وسط هذا كله، لا تملك سمية أي دعم أو بدائل، وتضطر لصيانة أجهزتها الشخصية مراراً بأسعار باهظة. تروي أنها كثيراً ما تعمل تحت ضغط الجوع، والانقطاع، والخوف، لكنها ترى في العمل نافذة تبقيها على اتصال مع الحياة، رغم قسوتها.

مع فقدان الشغف.. العمل مجرد وسيلة للنجاة

فقدت ياسمين، التي تعمل منذ عام 2018 كمطورة تطبيقات موبايل عن بُعد، عملها بالكامل منذ بدء الحرب على قطاع غزة بسبب النزوح وغياب الإنترنت. ومع الوقت، استطاعت أن تستعيد جزءاً من نشاطها بعد جهود تشبيك طويلة، لكنها اليوم تقول إنها فقدت شغفها الذي كانت تعمل به سابقاَ، وأن العمل بالنسبة لها أصبح مجرد وسيلة للبقاء فقط.

وتروي ياسمين مشهد أكثر لحظاتها قسوة حين استشهد ابن أختها الرضيع جراء قصف إسرائيلي، ورغم ألمها أجبرت على إكمال مشروعها لتسليمه في الموعد المحدد. ورغم كل شيء ترى ياسمين أن في العمل الحر ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها خاصة مع انعدام أساسيات الحياة في قطاع غزة. 

رغم الإعاقة، النزوح، الخسارات الشخصية والأعباء النفسية، لم يفقد العاملين رغبتهم في إعادة بناء حياتهم وتطوير مهاراتهم من جديد. وتؤكد لنا قصصهم أن العمل في هذا القطاع ضرورة اقتصادية وإنسانية لا رفاهية. رغم أن الحرب على قطاع غزة كشفت هشاشة هذا القطاع حين فُقدت أبسط مقومات البنية التحتية والبيئة الآمنة، لذلك يعد دعمه أحد سبل الصمود المجتمعي في غزة.