أيقونة العملات

العملات

الدولار اليوم
اليورو اليوم
أيقونة الطقس

الطقس

أيقونة الإشعارات

اشعارات

تقارير بوست

بين نوبات الهبوط والجوع.. كيف يعيش مرضى السكري في غزة؟

6 يوليو 2025 - بقلم: لينا علي

لم تستطع الشابة نجيا محمود أن تمحو من ذاكرتها صرخات طفلٍ فقد والده في أحد مخيمات النزوح بعدما دخل في غيبوبة سكّري، إثر عجز أهالي المخيم عن تأمين حتى ملعقة سكر واحدة تنقذه من الموت.

هذه القصة التي وثّقتها نجيا عبر حسابها على فيسبوك، ليست سوى واحدة من مئات الحالات لمرضى يعانون أمراضًا مزمنة، ويفقدون حياتهم يوميًا تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، ومنع إدخال الأدوية والعلاج اللازم.

فبحسب آخر إحصائية صدرت عن مركز الإحصاء الفلسطيني في إبريل 2024 بلغ عدد المرضى المصابين بالسكري في قطاع غزة حوالي 71 ألف مصاب من بين 350 ألف مصاب بالأمراض المزمنة الذين حرموا من تلقي الرعاية الصحية اللازمة، هذه الأرقام تسلط الضوء على أزمة متفاقمة يعيشها مرضى السكري وهم فئة واسعة من المجتمع بلا استجابة صحية ملائمة. 

أنسولين منتهي الصلاحية.. آلاء تقاوم السكري والمجاعة

بدأت آلاء سعيد (28) عاماً رحلتها مع مرض السكري من النوع الأول منذ 14 عاماً، حاولت فيها الالتزام بتنظيم وجباتها قدر الإمكان ومراقبة سكرها بواسطة جهاز منزلي ومنذ ذلك الوقت خاضت تجربتها ورحلة علاجها مع أقلام الأنسولين حتى استقرت حالتها قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة.

تقول آلاء أنها اضطرت في أوقات كثيرة الى استخدام أٌقلام أنسولين منتهية الصلاحية لعدم توفره بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول أي أدوية أو مستلزمات صحية إلى القطاع.

وأضافت أن شح المواد الغذائية أثر سلبا على صحتها فأصبحت غير قادرة على تناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم، الأمر الذي اضطرها إلى تقليل جرعتها من الأنسولين تجنباً من الإصابة بانخفاض حاد في السكر. 

ففي ظل الغياب التام للنظام الغذائي المناسب، أصبح التوفيق بين الجرعة الدوائية والطعام المتوفر مهمة مستحيلة، فبدلاً من أن تسير الخطة العلاجية بثبات، باتت حياتها اليومية تعتمد على حلول ظرفية محفوفة بالخطر.

وعبرت عن ذلك "أصعب شعور عند أخذ جرعتي من الأنسولين ولا أستطيع أن أجد طعاماً مناسباً، حتى السكر العادي كان الحصول عليه في ساعة الهبوط أمر صعب جداً، وقد تصل نوبة الهبوط إلى 25 دقيقة".

ومع استمرار نوبات الهبوط وانعدام الغذاء المناسب والاعتماد على أكل غير صحي دون قيمة غذائية تأثرت صحتها الجسدية والنفسية حتى أن الألم طال الأسنان فباتت تشعر بوجع شديد فيها بالإضافة إلى التعب من أي مجهود بسيط. 

لجأت آلاء إلى التواصل مع طبيب من خارج غزة لتعديل جرعاتها بسبب عدم تلقيها أي متابعة محلية وصعوبة الوصول إلى مراكز العلاج القليلة في منطقة سكنها.

وأكملت قائلة إنها لم تشعر يوماً بوجود أي اهتمام ملموس من المؤسسات الصحية لمرضى السكري. وعن أمنيتها قالت بنبرة تختلط فيها الواقعية بالأمل "أتمنى توفير العلاج اللازم من أقلام الأنسولين خاصة لفئة الأطفال وكذلك توفير الغذاء المناسب حتى لا تحدث مضاعفات يصبح من الصعب السيطرة عليها وإيجاد حلول لها". 

الأطفال أكثر المتضررين

يرى الدكتور محمد معروف اختصاصي الغدد الصماء في مؤسسة الإغاثة الطبية الفلسطينية ووزارة الصحة، أن مرض السكري في ظل الحرب بات أكثر انتشاراً لا سيما بين كبار السن والأطفال بسبب الصدمات النفسية والنزوح القسري المتكرر وسوء التغذية، ويؤكد أن الأطفال المصابين بالمرض هم الفئة الأكثر تأثراً بفعل المجاعة وصعوبة التحكم بنظام غذائي خاص بهم مما جعل ضبط المرض والسيطرة عليه يعد أمراً شبه مستحيلاً.

كنت أشتري الأنسولين بسهولة.. اليوم أبحث عنه

عاش احمد الحداد (57) عاماً مع مرض السكري طوال 20 عاماً، كان يتلقى فيها العلاج بانتظام ويحصل على الأنسولين بسهولة، لكن كل شيء تغير بعد الحرب على قطاع غزة.

إذ لم يعد من الممكن الحصول على أدويته بسهولة بسبب النقص الحاد في علاجات مرضى السكري بغزة، يقول "كنت أحصل على الأنسولين بسهولة، أروح على المركز الصحي أو أشتريه من الصيدلية، بس هالأيام صرت أدور عليه من ولاد الحلال والمؤسسات الإغاثية التي يمكن أن تساعد المرضى وتوفر لهم الدواء، لأنه سعره غالي أو مقطوع نهائيا". 

وتابع بحزن أن سوء التغذية يسبب له حموضة متكررة في المعدة تبقيه مستيقظاً طوال الليل وتسبب له القيء والغثيان في معظم الليالي دون تلقي علاج مناسب بسبب انقطاع أدوية الحموضة في ظل الانهيار التام للمنظومة الصحية في قطاع غزة. كما أن الحر الشديد يزيد من إنهاكه، مؤكداً أنه لا يستطيع الخروج إلى أي مكان بمفرده خوفا من السقوط أثناء المشي في الطريق بسبب الانخفاض المتكرر في السكر الناتج عن الجوع وانعدام الأطعمة التي ترفع السكر بشكل آمن.

وأكمل بحسرة أنه اضطر إلى خفض جرعات الأنسولين اليومية لأن نوعية الطعام لا تساعده في تنظيم معدل السكر كما أن كمية الطعام المتاحة لا تكفي، الأمر الذي أدخله في دوامة صحية خطيرة.

المؤسسات الدولية عاجزة عن توفير العلاج المستمر

وأشار د. معروف إلى أن الوضع الصحي لمرضى السكري والأمراض المزمنة تدهور بشكل ملحوظ خلال الحرب على قطاع غزة بعد أن كان وضع عدد كبير من المرضى مستقراً قبل الحرب، موضحاً أن النقص الحاد في الأدوية خاصة الأنسولين بأنواعه المختلفة أجبر المرضى على استخدام بدائل محدودة تختلف عن تلك التي اعتادوا على استخدامها كعلاج.

ويضيف د. معروف " المؤسسات الدولية تحاول تقديم الخدمات اللازمة لمرضى السكري والأمراض المزمنة وتوفير العلاج اللازم لهم لكنها غير قادرة على توفيرها بشكل دائم وهذا ينطبق بشكل خاص على أقلام الأنسولين للأطفال والتي لم تعد متوفرة حتى في عيادات وكالة الغوث". 

القدم السكري والوفيات في ازدياد..

وقال د. معروف أنه تم تسجيل زيادة واضحة في حالات الإصابة بمرض القدم السكري نتيجة عدة عوامل منها التلوث وانعدام أدوات التعقيم والنظافة والإهمال الطبي في ظل الحرب المستمرة على قطاع عزة، مما سبب مضاعفات خطيرة، كما وثق حالات وفاة بين مرضى الأمراض المزمنة معظمها من كبار السن بسبب تدهور الحالة الصحية وانعدام العلاج وصعوبة الوصول إلى المرافق الصحية.

نداء عاجل.. أجهزة مفقودة وأطفال في خطر

وختم الطبيب حديثه بنداء إنساني عاجل جدد فيه دعوته بتوفير أجهزة طبية بديلة عن تلك التي دمرت خلال الحرب، وضرورة تأمين علاج للقدم السكري بالإضافة إلى الغيارات الصحية الطبية وأقلام الأنسولين خاصة للأطفال محذراً من غياب شبه كامل لهذا المواد الأساسية بسبب انهيار المنظومة الصحية في غزة.