عاد الغزي الثلاثيني محمد هاشم فرحاً من مركز المساعدات الأميركية ( GHF ) المقام شمال مدينة رفح الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، جنوب قطاع غزة، ويحمل شوالاً ممتلئاً بالمواد الغذائية التي حصل عليها من المؤسسة، وحين وصل خيمته، وفتح الشوال، وبدأ بتفقد المواد الغذائية اكتشف أن علامات التلف واضحة على بعضها، لاسيما الفاصوليا، والبطاطا والبصل، حيث كانت الفاصوليا الجافة مغلفة بفطر أخضر، بينما حبات البصل يكسو السواد قشرتها الخارجية، في حين كانت البطاطا فاسدة، وبها بقع خضراء غريبة، وقلبها متعفن فاقد لصلابته المعتادة.
هاشم أكد أنها المرة الثالثة التي يتسلم فيها أطعمة فاسدة من المؤسسة المذكورة خلال أقل من شهر، مشتكياً أيضاً من اقتصار الطعام على نوعيات محددة، أغلبها بقوليات، إضافة للطحينية وزيت الطعام، ونوعين فقط من الخضروات "بصل وبطاطا"، بخلاف ما كان يتسلمه سابقاً من وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) ، حيث كان يحصل على وجبات غذائية متنوعة، وعالية الجودة، منها الطحين المُدعم بالحديد والفيتامينات.
لاحظنا بالعين المجردة انتشار كبير لفطر "الأفلاتوكسين-B1"، متواجد على عدة أصناف من المساعدات الغذائية التي يجري تسليمها في مؤسسة المساعدات الأميركية في قطاع غزة، خاصة البقوليات، والبصل والبطاطا، وهو فطر سام وخطير، يُسبب السرطان، وفق الأستاذ الدكتور سمير راضي أخصائي التغذية والمحاضر في عدة جامعات بغزة، منها جامعتي الأزهر والإسلامية، مضيفاً أن ثمة شكوك بوجود مخاطر أكبر في تلك المواد التي يصعب تحديدها حالياً، لحاجتها لمختبرات ومعامل تقوم بفحصها، وللأسف الأخيرة غير متوفرة في القطاع حالياً بسبب استهداف وقصف جميع المعامل، مع العلم أنه تم العثور في وقت سابق على حبوب "الأوكسيكودون"، المخدرة، مدسوسة في شوالات دقيق، وهذا يُعزز المخاوف المذكورة، يضيف راضي.
قبل الحرب كان ثمة تواجد لوزارتي الصحة والاقتصاد الوطني، وكذلك مندوبين من البلديات منهم خبراء تغذية وأطباء، ومهندسين زراعيين على جميع المنافذ التي نصل منها المواد الغذائية للقطاع، يأخذون عينات عشوائية من أي سلعة تصل، ويتم فحصها في المختبرات المختصة، ومن ثم يتم اتخاذ القرار المناسب إما بالسماح بدخولها وتوزيعها في غزة، أو إعادتها من حيث أتت، وفق صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، لكن هذا الأمر غير متاح حالياً، وهذا شكل فرصة لتمرير الطعام الفاسد، والمسمم، من قبل جهات عدة من بينها المؤسسة الأميركية، وفق راضي وكذلك الدكتور إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وأضاف الثوابتة وصلنا شكاوى موثقة من عائلات فلسطينية تقيم ففي القطاع، تفيد باكتشاف مواد عقاقير خطيرة مدسوسة عمداً داخل مساعدات تسلموها من المؤسسة الأميركية، بينها حبوب مخدرة، إضافة لشكاوى حول تسلم مواد غذائية فاسدة من تلك المؤسسة، وهذه الممارسات تشير إلى وجود انتهاك واضح لقواعد السلامة الغذائية واستخدام المساعدات الإنسانية كأداة لإلحاق الضرر بسكان القطاع، كما وتشرف بشكل مباشر على مقتلة يومية بحق المجوعين، بات يُطلق عليها "مصائد الموت"، لأنها أداة قتل جماعي يومي لآلاف المُجوعين، وفق الثوابتة.
وبحسب راضي فإن الاحتلال يعمل بشكل مدروس ومخطط، وهو قام بتغييب متعمد لدور وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، وكذلك منظمة الأغذية العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (UNICEF)، التي كانت تعرف جيداً احتياجات المواطنين في غزة وفرض بدلا عنها مؤسسة الإغاثة الأميركية، حيث عملت الأخيرة على تغيير القائمة الغذائية لسكان القطاع، وبدأت تدخل اطعمة لا تتوافق مع طبيعة سكان غزة، ولا مع ما اعتادوا عليه، وركزت على البقوليات، وأصناف غير ضرورية من الطعام مثل الشكولاتة، على حساب المواد الغذائية الأساسية، مع إدخال سلع ومواد غذائية فاسدة، إما تاريخ صلاحيتها منتهي، أو يظهر عليها علامات عفن او فساد ظاهر بالعين المجردة، وهو ما وفقه الثوابتة الذي يؤكد أنه وبالإضافة لفرض أنماط غذائية غريبة عن عادات سكان قطاع غزة، فإن المؤسسة الأميركية لا تتبع أي معايير إنسانية للتوزيع، إذ يتم منح الغذاء للأقوى اجتماعياً واقتصادياً، بينما تُحرم الفئات الأضعف، بما فيها الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى وذوي الإعاقة، من الوصول إلى المساعدات، هذا السلوك أدى إلى حرمان أكثر من مليون ونصف المليون شخص من الغذاء.
لاحظ تجار مواد الغذائية، ممن يشترون حصصاً من شبان حصلوا على الغذاء من المؤسسة الأميركية، أمرين، الأول أم ما بين 20-30% من الطعام الذي يتم تسليمه في المؤسسة المذكورة إما تالف أو سيء، مثل البقوليات، والبصل والبطاطا، ومعلبات طحينية تاريخ صلاتيهما منتهي، ولذلك أصبحوا يدققون في كل شيء قبل شرائه، لأن المشترين أصبحوا يدققون ايضاً، بحيث بات الجميع يدركون أن المؤسسة الأميركية مصدر للطعام الفاسد، والامر الثاني أن جميع المستفيدين من المؤسسة المذكورة هم شبان، بصحة جيدة، حيث يتطلب الحصول على الطعام جري لمسافات طويلة، وعراك، والقوي فقط هو من يستطيع أخذ حصة، أما الأطفال، والنساء، والمسنين، فلا أمل لهم أن يحصلوا على شيء.
نحن أكبر وأهم منظمة إنسانية في غزة، ومع ذلك يتم استهدافنا، ولا يمكن أن تحلّ مؤسسة غير معروفة [مؤسسة غزة الإنسانية]، التي خُلقت خصيصاً لهذه الحرب، مكان المنظومة الإنسانية المعتمدة والمتعارف عليها ليس فقط في غزة، بل في كافة أنحاء العالم، وفق ما أكدته تمارا الرفاعي، مديرة العلاقات الخارجية والإعلام في وكالة الغوث الدولية "الأونروا".
في حين يؤكد عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لـ"الأونروا"، أن مؤسسته لديها خبرات كبيرة في التعامل مع اللاجئين، وتنتقي أنواع الطعام وفق معايير تحافظ على سلامة المستفيدين، وتمتلك قاعدة بيانات، تمكنها من توزيع الغذاء بطريقة آمنة وعادلة على الجميع، والمجاعة في غزة هي نتيجة القيود المتعمدة على المساعدات، وتدمير البنية التحتية الحيوية، والهجمات المتكررة على العمليات الإنسانية.
المؤسسة الأميركية المعنية ليست بديلاً عن أي جهة إنسانية رسمية، مثل الأونروا أو برنامج الغذاء العالمي، بل هي ذراع استخباراتي وأمني منسلخ عن المبادئ الإنسانية، ولم تلتزم بأي معايير للعمل الإنساني، ولم توفّر الغذاء الكافي لسكان القطاع، وعملت على دس السم في الطعام، كما مارست سياسات تمييزية وتقسيمية تؤدي إلى حرمان شرائح واسعة من السكان، وفق الثوابتة.