تعاني أكثر من 300 ألف سيدة وربة منزل من مشاكل صحية ونفسية قاسية، جراء مرارة النزوح المستمر، وما يترتب عليه من أعباء ثقيلة ألقيت على عاتقهن، في ظل إجبارهن على العيش أنماط من الحياة البدائية المليئة بالمشقة والتعب.
وباتت غالبية السيدات في قطاع غزة يعانين من مشاكل صحية متعددة، معظمها لها علاقة بالمجهود الكبير الذي يقمن به منذ بداية الحرب.
وتشتكي غالبية السيدات من مشاكل وآلام في العظام والمفاصل، جراء اضطرارهن للقيام بأعمال منزلية شاقة، لم يعتدن عليها طوال العقود الماضية.
واللافت أن السيدات بتن يصبن بتلك الأمراض والمشاكل في سن مبكرة، وقد عزت معظمهن أسباب ذلك للنزوح، والحياة البدائية القاسية التي يعشنها.
معاناة كبيرة
السيدة النازحة فاطمة صالح تعاني من صعوبة تأمين احتياجات اسرتها الأساسية مثل الغذاء والماء، وفي الوقت نفسه تعجز عن توفير الرعاية الصحية اللازمة لأطفالها المصابين بسبب انهيار النظام الصحي في القطاع نتيجة استهدافه من قوات الاحتلال وقيود إسرائيل المفروضة على إدخال الإمدادات الطبية الحيوية.
وتقول صالح إنها تعيش مرارة النزوح والفقد، إذ استشهد أحد أبنائها، وتواجه كل يوم أعباء ثقيلة من اجل تأمين ما تحتاجه اسرتها، إذ تفتح يومها مبكراً بجلي الأواني، ثم غسل الملابس يدوياً، ونقل جالونات المياه.
وأوضحت أنها تعاني أيضاً جراء اشعال النار وطهي الطعام، وتجهيز الخبز، وتسخين الماء، وتقضي أكثر من 8 ساعات يومياً في العمل الشاق، وهذا مستمر منذ أثر من عامين.
وأشارت إلى أنها منذ عدة أشهر بدأت تشعر بأعراض صحية مؤلمة، تتمثل في آلام مفاصل، خاصة عند الحركة أو النهوض من المجلس.
وبينت أنها توجهت لمراكز وعيادات رعاية أولوية، وصُرف لها بعض المسكنات، التي خففت الآلام مؤقتاً، لكنها تعود للتعب من جديد عندما تقوم بأعمال صعبة.
قالت السيدة منى عمر، إنها تعاني من آلام المفاصل والظهر منذ أشهر طويلة، بسبب قيامها بأعمال منزلية شاقة، مثل الغسيل اليدوي الذي يستمر ساعات، تقضيها بفرك الملابس بقوة من أجل تنظيفها.
كما أكدت عمر أن طريقة الجلوس الخاطئة على كرسي منخفض، مع انحناء الظهر لغسل الملابس والأواني لفترات طويلة، ساهم في ظهور آلام الظهر لديها وتطورها بشكل حاد.
وأوضحت أن عملها لا يخلو من حمل أشياء ثقيلة مثل نقل جراكل المياه، وسلال الغسيل الثقيلة، وهذا كله يعد أعباء ثقيلة، وأحيانا تفوق قدرتها، وهي الآن تعاني آثار عامين من التعب والإرهاق الشديدين، مستذكرة حين كانت تغسل الملابس بواسطة غسالة أوتوماتيكية، والأواني تغسلها وهي متوقفة أمام مجلى مجهز، بينما لم تكن تحمل أية أشياء ثقيلة.
وقالت "من بداية الحرب ونحن نعاني، أتينا من بيوت مشيدة إلى خيم بلا أي مقومات للحياة، ونفعل كل شيء لتسيير أمور حياتنا اليومية.
رغم ما تواجهه النساء في غزة من قصفٍ لا يهدأ، وجوعٍ قاسٍ، وأحزانٍ متواصلة، فإنهن ليزلن الأكثر مساهمة في الإبقاء على قيد الحياة في غزة. فهن يُعِدْن وجباتٍ جماعيةً من بقايا الطعام، ويُواسِين جيرانهن، ويعتنين بالمرضى وكبار السن، ويُعلّمن الأطفال في الخيام، ويُقدّمن الإسعافات الأولية.
بينما أكدت السيدة "أم خليل"، أن حياة الخيام القاسية، والبرد الشديد الذي تواجهه النساء، زاد من الأمور تعقيداً، وأدى إلى تفشي مشاكل وآلام العظام لدى معظم النساء.
وأكدت أنها لجأت في الآونة الأخيرة للمسكنات لتخفيف أعراض الآلام التي تعانيها، والمشكلة أنها لا تستطيع التوقف وأخذ قسط من الراحة، فعائلتها تحتاج إلى المزيد من الجهد، ورغم أن أبنائها يحاولون مساعدتها، لكن العبء الأكبر مازال ملقى على عاتقها.
واشتكت "أم خليل"، من وجود نقص شديد في الرعاية الصحية في غزة، فغالبية النساء اللواتي يعانين الأمراض والمشاكل، لا يجدن رعاية وعلاج مناسب، لذلك تستمر أوجاعهن، وبعضهن يلجأن للمسكنات، وأخريات لأطباء في عيادات خاصة.
وأشارت إلى أن النساء من أكثر الفئات معاناة في ظل الحرب، وقد واجهن الظروف العصيبة وتحملن أعباء تفوق قدراتهن.
واقع قاسي
وزيرة شؤون المرأة، منى الخليلي، أوضحت أن الإحصائيات تشير إلى أن 75% من إجمالي الشهداء في قطاع غزة منذ بداية العدوان هم من النساء والأطفال، وأن أكثر من 60 ألف أرملة جديدة أصبحن يُعلن ما بين 25 و30 ألف يتيم جديد.
ووصفت الوزيرة الخليلي المرحلة الحالية بأنها من أصعب المراحل في تاريخ المرأة الفلسطينية، حيث دمر العدوان البنية التحتية، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس، إضافة إلى تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
وأضافت أن النساء فقدن بيوتهن ومصادر رزقهن وأمانهن في آن واحد، خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي جعل المسؤولية مضاعفة عليهن، واضطرت كثيرات إلى أن يصبحن المعيل الوحيد للأسرة في ظروف "شبه مستحيلة".
وتطرقت الوزيرة إلى التحديات المركبة التي تواجهها المرأة، وأبرزها: التحديات الاقتصادية والمعيشية، التي تتمثل في تأمين الطعام والشراب، ونقص حاد في المواد الغذائية والمياه النظيفة، وفقدان مصادر الدخل.
ووفق منظمة الأمم المتحدة للمرأة أُجبرت الغالبية العظمى من النساء والفتيات على النزوح المتكرر، بمعدل أربع مرات تقريبًا منذ اندلاع الحرب، ومع كل نزوح، تبدأ رحلة البحث عن بقعة أرض صغيرة، غالبًا بإيجارات باهظة تفوق القدرة على الاحتمال، ما يدفع العديد من الأسر إلى نصب خيامٍ مؤقتة.
وأكدت المنظمة أن هناك أسرة من كل سبع أسر تقودها امرأة، أي ما يزيد على 16 ألف امرأة فقدن أزواجهن،و تشكل هؤلاء النساء جيلًا جديدًا من الأرامل يتحمّلن عبئًا مضاعفًا من الفقد والمسؤولية، إذ يعتنين بأطفالهن، ويدبرن شؤون أسرهن بمفردهن، ويتّخذن قرارات مصيرية بين الحياة والموت وسط المجاعة والنزوح وانهيار الخدمات الأساسية.