بعد إصدار الاحتلال أمرًا بإخلاء مدينة غزة وشمالها من السكان الفلسطينيين قسرا، بذلت والدة الطفل الشهيد جهاد الوحيدي جهدًا كبيرًا من أجل لملة أطفالها وحمايتهم من القصف الإسرائيلي العشوائي الذي طال كل شيء، فاضطرت للنزوح والسكن داخل خيمة في دير البلح وسط القطاع.
لكن ما لم يكن بحسبانها هو ذلك المتربص الخفي الذي خلفه الاحتلال بفعل الحصار الخانق وإجبار الفلسطينيين على التكدس في أماكن ضيقة، تفتقر لخدمات البلديات، والماء، والغذاء، ومواد التنظيف، وهو فيروس الكبد الوبائي.
وانتشر مرض الكبد الوبائي بين الأطفال الذين اختطفهم النزوح من أحضان بيوتهم الدافئة، وتركهم مع عائلاتهم في الطرقات، وبين زقاق مراكز الإيواء المزدحمة، والخيام التي تفتقر للمياه الصالحة للشرب، والغذاء المناسب، والفراش والملابس الدافئة.
إصابات متزايدة
وصرحت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أنها رصدت أكثر من 553 إصابة بأمراض معدية ووبائية منذ شهر أكتوبر الماضي، منها ما يزيد عن 8000 إصابة بعدوى التهابات الكبد الوبائي (A).
تحدث الدكتور بهاء الدين العالول الذي يعمل كطبيب عام في إحدى المؤسسات الطبية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، لـ"فلسطين بوست" عن الحالة الصحية للنازحين في مدارس الإيواء التابعة للوكالة.
وذكر العالول أن ما يسبب المرض هو فيروس الكبد الوبائي أ الذي ينتشر بعد ملامسة أشياء أو مواد استخدمها شخص مصاب، كالملابس، والملاعق، والمناشف، موضحًا أن المرض ينتقل بالدرجة الأولى عن طريق اللعاب.
وعن أعراض الإصابة بفيروس الكبد الوبائي (أ)، قال العالول إن المصاب يشعر بالغثيان، والضيق، ويعاني من ارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب اصفرار العينين والجلد، وتغير لون البول.
وأشار إلى أن المصاب قد يعاني من مضاعفات عقب إصابته بالفيروس كاستمرار ارتفاع حرارة المصاب رغم تناوله خافض حرارة، وآلام شديدة في البطن.
والدة الطفل مجد، أحد الأطفال المصابين بفيروس الكبد الوبائي تواصل طرقها للمراكز الصحية التابعة للأونروا بشكل يومي للحصول على العلاج لطفلها إن وجد، لكنها تعود إلى خيمتها دون أن تجد ما يلبي احتياجه من الدواء المناسب.
نصائح الأطباء لا تناسب الواقع
وفي حديث لـ"فلسطين بوست" قالت والدة الطفل إن النصائح التي تحصل عليها من الأطباء في عيادة الوكالة لا تناسب الواقع الذي يعيشه النازحون في الخيام ومراكز الإيواء.
وأضافت أن أهم ما ينصح به الأطباء هو عدم الاختلاط والتكدس، لكن الأمر لا يمكن تطبيقه، لافتة إلى أنها تعيش الآن في خيمة صغيرة داخل مدرسة للإيواء مع 30 شخصًا من عائلتها.
وأوضحت أن الأونروا تبذل جهدًا في محاولة تقديم الدواء للمرضى في مراكزها، لكن ما تقدمه لا يلبي عشر احتياجات الغزيين النازحين الذين يزيد عددهم عن مليون نازح، معظمهم من الأطفال.
ولفتت إلى أن اضطرار آلاف النازحين إلى استخدام دورة مياه واحدة مع عدم توفر ماء كاف ومواد تنظيف، أدى إلى انتشار الأمراض بين النازحين، خاصة الأطفال.
وتساءلت عن كيفية حماية أطفالها من الأمراض التي تفتك بالنازحين، في ظل غياب القدرة على الابتعاد عن الازدحام، واستخدام أدوات منفصلة.
وأكدت والدة الطفل مجد إصرارها على حماية أطفالها من كل ما يؤذيهم، مهما أجمع العالم على التخاذل وحرمان الأطفال الفلسطينيين من أبسط الحقوق.
يشار إلى أن كلا من أمريكا، وألمانيا، وبريطانيا، وكندا، وفنلندا، وسويسرا، وإيطاليا، وهولندا، وأستراليا، أعلنت إيقاف دعم وتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، عقب تحريض إسرائيلي عليها، لتشديد الحصار على القطاع المحاصر أصلًا.
اقرأ أيضًا: شرب المياه الملوثة وطفح المجاري وسوء التغذية عوامل تسهم في انتشار واسع للأوبئة في غزة