حطمت العمليات البرية المستمرة على محافظة رفح رقماً قياسياً، كأطول عدوان بري ينفذه الاحتلال على محافظة أو منطقة في القطاع، مع تجاوز مدته 120 يوماً.
ومازالت العمليات البرية التي تنفذها قوات الاحتلال داخل رفح متواصلة منذ السادس من أيار الماضي، بل واتخذت زخماً جديداً منذ أواسط آب الماضي، خاصة في حي تل السلطان، ومناطق غرب رفح، وعلى طول محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، مع توسيع رقعة التهجير، ونسف المنازل والمربعات السكنية، وإحراق المساكن والعمارات.
أسباب خفية لطول عملية رفح
وربطت إسرائيل عملية رفح بمحور صلاح الدين "فيلادلفيا"، إذ أكد بن يامين نتنياهو، إن إسرائيل تصر على البقاء في المحور المذكور، بزعم أنه يشكل أنبوب التنفس لحركة حماس، والسيطرة عليه يساهم في منع تسليحها، على حد قوله.
ونفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تقارير تُشير إلى أن إسرائيل تدرس الموافقة على نشر قوة دولية على امتداد شريط حدودي ضيق بين غزة ومصر يُعرف باسم ممر فيلادلفيا (صلاح الدين).
ووفق محللون فإن طول العملية العسكرية على رفح، كان ورائه أسباب سياسية وليست عسكرية، إذ ألمح الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة، خاصة في شهر حزيران/يونيو الماضي، أنه على وشك إنهاء عملياته في المحافظة، لكن رغم ذلك لم يعلن عن انتهائها.
وبحسب المحليين فإن استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في رفح يعززه توجه رئيس الوزراء بن يامين نتنياهو باستمرار السيطرة على محور صلاح الدين فيلادلفيا، ووصف الأمر وكأنه إنجاز حققته إسرائيل، الأمر الذي لاقى معارضة إسرائيلية كبيرة، سواء في صفوف المعارض، أو الجيش، أو الأوساط العمالية.
وكشف تقرير بثته القناة 12 الإسرائيلية، أن نتانياهو، طلب مؤخرًا عقد اجتماع للحكومة في محور فيلادلفيا، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض، حسبما جاء في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
ويقع محور فيلادلفيا على امتداد الحدود بين مصر وغزة بطول 14 كيلومتر وعرض 100 متر، ولكنه يعتبر "منطقة عازلة" وفق اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل خلال عام 1979
وبموجب كامب ديفيد، يتوجب على قوات الاحتلال الانسحاب من فيلادلفيا، لكن نتنياهو يصر على الاحتفاظ بالسيطرة على المحور، وهو ما أكدت القاهرة مرارًا رفضها القطعي له، لأنه يمثل تهديدًا للأمن القومي المصري.
ومؤخرًا، نقلت قناة "القاهرة الإخبارية" عن مصدر رفيع قوله، إن مصر "جددت تأكيدها لجميع الأطراف المعنية بعدم قبولها أي تواجد إسرائيلي بمعبر رفح أو محور فيلادلفيا".
وجرت خلال الأسبوع الماضي، جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة في القاهرة، بمشاركة مسؤولين من الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل وقطر، وذلك بعد أسبوع من مفاوضات جرت في الدوحة دون تحقيق نتائج.
معارضة اسرائيلية
وقوبل خطاب نتنياهو الأخير الذي عرض خلاه خارطة لفلسطين دون تحديد موقع الضفة الغربية، على اعتبار أنها جزء من "إسرائيل"، وأظهر خارطة غزة مع ظهور محور صلاح الدين، بمعارضة إسرائيلية واسعة، متهمينه بتفضيل المحور على حياة الأسرى.
وقال وزيرا مجلس الحرب الإسرائيلي المستقيلين "آيزنكوت"، و "بني غانتس" في مؤتمر صحافي مشترك: "دعونا نقول الحقيقة، محور فيلادلفيا لا يشكل التهديد الوجودي على دولة إسرائيل"
تصريحات غانتس وايزنكوت جاءت ردا على خطاب نتنياهو حول "محور فيلادلفيا"
وقال غانتس رئيس حزب "معسكر الدولة" بأن الادعاءات التي عرضها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "غير منطقية"، وعلى حد قوله نتنياهو لم يقل الحقيقة، "حيث أنه لن يعيد المختطفين أحياء، ولن يحمي السياج الجنوبي، لن يعيد سكان الشمال إلى منازلهم، ولن يمنع ايران من الحصول على السلاح النووي".
وتابع :"نتنياهو قام بتأخير القدرة للتقدم بصفقة مختطفين بصورة متسلسلة، وعندما طلبنا توسيع الضغط العسكري على خان يونس ورفح تردد نتنياهو ".
وأضاف غانتس: "حتى عندما أردنا بناء ممر في "محور موراغ" حتى نهتم بسرعة بالمنطقة الجنوبية، بدون التحديات السياسية لمحور فيلادلفيا، رفض نتنياهو ذلك، هذا ليس مفاجئا أن نتنياهو منشغل بالنجاة السياسية، ويمس بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في الوقت التي تتقدم فيه إيران للنووي".
بينما قال الكاتب الإسرائيلي "تسافي بارئيل" إن حياة الأسرى باتت تتوقف على إخلاء المحور، لكن نتنياهو يحاول المبالغة في أهميته على حساب حياة بضعة عشرات الأسرى، لأنه يعرف أنه بوابة أساسية لإعادة احتلال غزة الدائم، إذ لا يمكن السيطرة عليه تماما دون إحكام القبضة على الطرق المؤدية إليه، ولا سبيل لحماية الحرس دون حماية المواقع القريبة والأحياء المأهولة خاصة في المناطق المكتظة مثل جنوب غزة.
وأوضح أن محور فيلادلفيا تعبده الآن جثث الأسرى الإسرائيليين على طريق الاحتلال الدائم لقطاع غزة، حتى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراؤه يعرفون أن السيطرة عليه لم تمنع هجمات فصائل المقاومة في الماضي ولن تمنعها مستقبلا، وإن الاحتفاظ به لم يعد مجرد جنون، بل هو الشر بعينه، وفقا للكاتب.
مفاوضات في مهب الريح
وقال مصدر في فريق المفاوضات الإسرائيلي، العائد من الدوحة بعد مشاركته في جولة جديدة على مستوى الخبراء المهنيين، إن تقدماً ما حصل في عدة بنود في المفاوضات، لكن موقف نتنياهو، الذي ما زال يصر على الشروط التي أضافها لصيغة العرض الذي تم الاتفاق عليه في البدء، وهي الإصرار على بقاء الجيش الإسرائيلي في عدة مواقع على محور فيلادلفيا (حدود غزة مع مصر) ومعبر رفح، وعلى محور نتساريم (يشطر قطاع غزة إلى نصفين)، قد تنسف المفاوضات وسيفشل الصفقة.
الجيش يضغط لإبرام صفقة ووقف الحرب
وتمارس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بقيادة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ضغوط كبيرة على نتنياهو من أجل إبرام الصفقة، ووقف الحرب.
ووفق أكثر من مصدر سياسي مسؤول صرح لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن الجيش الاسرائيلي يريد وقف الحرب حتى يتفرغ للتحدي الإيراني، خصوصاً أنه يقول إن طهران تدير بواسطة أذرعها حرب استنزاف تلحق ضرراً بالغاً بقدرات إسرائيل العسكرية ومصالحها الاستراتيجية.
ولكن الجيش، وبدل اتخاذ قرارات وإجراءات تصب في صالح ما يسعى إليه، فإنه ينجر وراء الحكومة ورئيسها ويواصل الحرب في غزة، ويصعّد أساليبه الحربية ضد لبنان، ويهدد مع وزير الدفاع يوآف غالانت، بتوسيع نطاقها رغم أنه يعلم أنها قد تؤدي إلى حرب إقليمية.
وبحسب ما تسرب من معلومات، فإن الجنرالات بقيادة غالانت يتبنون الموقف المطالب بقرار يوقف الحرب غزة، أو يخفضها إلى الحد الأدنى، باعتبار أن «الإنجازات العسكرية تسمح الآن بتوجيه الجهد إلى الساحة الشمالية» مع لبنان. ويقولون إن «الطريق إلى هناك تمر بصفقة تؤدي إلى وقف الحرب وإعادة المخطوفين، وبالتوازي، تحويل القوات إلى الشمال».
وقد تولى الناطق بلسان الجيش، دانيال هاغاري «إقناع الجمهور الإسرائيلي بالإنجازات، فقال إن 80 في المائة من الأنفاق في محور فيلادلفيا دُمرت، ولواء رفح (التابع لـ«حماس») هزم، وتمت تصفية محمد الضيف (قائد كتائب القسّام) ومئات القادة الميدانيين والكبار من حركة.
رفح تتعرض للتدمير
ومازالت مدينة رفح تتعرض للتدمير بشكل يومي، إذ قال المواطن أحمد حدايد، وهو نازح من مدينة رفح، ويقيم في منطقة "الإقليمي"، في مواصي خان يونس، إن خيمته تقع على تلة مرتفعة، ويمكن من خلالها مشاهدة الدخان المتصاعد من قلب رفح، موضحاً أن الاحتلال وبعد 4 شهور كاملة من العمليات لازال يدمر مدينة رفح، ويومياً يحصي ما بين 10-15 عمليات نسف.
وأكد أنه يُشاهد بوضوح الغبار الناجم عن تحرك الآليات العسكرية داخل مناطق الاجتياح، وكذلك الدخان الذي يتصاعد خلال عمل الجرافات في هدم المنازل، موضحاً أن كل يوم يمر من عمر العدوان تتسع دائرة التدمير، ويزيد التخريب داخل رفح.
بينما قال المواطن بسام عبد ربه، إن أكثر من 120 يوماً مر على احتلال رفح، ولازالت المحافظة تخضع لحصار مُطبق، وقصف جوي وبري وعمليات نسف مستمرة.
وأشار عبد ربه إلى أنه تابع كل العمليات العسكرية على محافظات القطاع، ولم تزد أي عملية عن 100 يوم، وعمليات التدمير كانت واسعة في جميع المناطق، لكن في رفح كانت الأوسع والأكبر على الإطلاق، إذ جرى ويجري مسح مناطق كاملة عن الخارطة.
وأوضح عبد ربه أنه حتى الآن لا يوجد أية مؤشرات على انسحاب قريب للاحتلال من مدينة رفح، وكل الأمور تُشير إلى استمرار العمليات في المحافظة، وهذا خلف واقع إنساني صعب، فسكان المحافظة مازالوا نازحين، ولا يستطيعون العودة لبيوتهم، والجميع يخشون قدوم فصل الشتاء وهم على هذه الحالة.
كتب: محمد الجمل