دخل العدوان الإسرائيلي الواسع على مناطق شمال قطاع غزة، أسبوعه الثاني، متزامناً مع تشديد الحصار، وتصاعد الجرائم والمجازر، وسط تهديدات إسرائيلية بأن العدوان والحصار على شمال القطاع قد يستغرق عدة أشهر.
ويسعى الاحتلال من خلال عدوانه على تلك المناطق للضغط على السكان، ومحاولة تفريغ مخيم جباليا والمناطق المحيطة به، رغم ذلك يقتل النازحين الفارين من الموت، خاصة عند "دوار أبو شرخ"، ويحاصر مواطنين داخل منازلهم.
مجازر مُروعة
وشهد المخيم في الساعات والأيام الماضية سلسلة من المجازر البشعة، بعضها جرى معرفته، والكشف عن تفاصيله، وأخرى لازالت مجهولة، حيث يجري قصف بيوت مأهولة، وقتل نازحين في الشوارع، دون أن يصل إليهم أحد.
وقال الدفاع المدني إن المعلومات التي تصل من قلب جباليا، تؤكد أن ثمة عشرات الجثث عالقة في طرقات شمال القطاع، ولم يتم انتشالهم بسبب القصف الإسرائيلي المُستمر والعنيف.
وأفاد نازحون استطاعوا مؤخراً مغادرة المخيم، أن الاحتلال يرتكب جرائم مُروعة داخل مخيم جباليا، ووضع أمام السكان خيارين لا ثالث لهما، إما الموت أو النزوح، ويعاقب كل من بقي في بيته بالقتل، إما عبر القصف، أو من خلال إعدامات ميدانية للمواطنين، ينفذها داخل البيوت وفي الشوارع.
بينما أكدت وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، أنه جرى إخلاء 7 مدارس، تؤوي نازحين من مناطق شمال القطاع، خلال الساعات الماضية، بسبب اشتداد العمليات العسكرية في تلك المناطق.
وأكدت شهادات جرى توثيقها من شمال القطاع، أن الاحتلال يتعمد قتل جموع النازحين ممن يحاولون مغادرة المخيم، كما حدث مؤخراً على "دوار أبو شرخ"، حيث جرى استهداف عدد كبير من النازحين، على دوار أبو شرخ، وقتل أكثر من 25 مواطناً، وأصاب أكثر من 50.
ووفق مصادر فإن مجزرة الخيام داخل مستشفى اليمن السعيد، تسببت بحالة هلع في صفوف سكان شمال القطاع، وجعلت الكثيرون يدركون خطورة ما يحدث حالياً.
وقال الصحافي محمود العامودي، ويقيم في مخيم جباليا، إن الجميع ناموا ليلتهم في ظلام دامس، ولم يستطع أحد أن يفتح حتى هاتفه النقال، حتى لا يضيئوا شيئاً حولهم، نظراً لأن الطائرات المُسيرة الصغيرة "كواد كابتر"،كانت تجوب بين الأزقة، وفوق البيوت، وتطلق النار في كل اتجاه، وفي بعض الأحيان كانوا يخفضون أصوات أنفاسهم من شدة الخوف والرعب.
حصار وتجويع
وأطبقت قوات الاحتلال حصارها بشكل كامل على مناطق شمال القطاع، وقطعت جميع الطرقات المؤدية لمخيم جباليا، وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، عدا طرقات محدودة، يُسمح من خلالها لبعض النازحين بالتحرك جنوباً فقط، وفي كثير من الأحيان يتم استهدافهم بالقذائف والصواريخ.
وأكد الدفاع المدني في قطاع غزة أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصاراً مطبقاً على شمال قطاع غزة ويعزله عن مدينة غزة بشكل كامل.
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان، أن دبابات إسرائيلية التفت على مخيم جباليا وشمال القطاع من الناحية الجنوبية، وأطبقت الحصار بشكل كامل على تلك المناطق، ومنعت وصول المواد الغذائية، والوقود، مع إغلاق كامل لجميع المعابر والمنافذ المؤدية لمناطق شمال القطاع بأسره، ما ينذر بمجاعة كبيرة في تلك المناطق.
وإلى جانب القتل، تسبب العدوان الإسرائيلي المتصاعد في تدمير واسع للبنية التحتية، إذ دمرت الجرافات شوارع، وخطوط مياه، وخربت طرقات، بينما يتواصل نسف مربعات سكنية بوتيرة غير مسبوقة، ما جعل تحرك المواطنين صعب.
وأوضح الدفاع المدني أن جيش الاحتلال يمنع منذ صباح الأحد الماضي دخول الإمدادات الأساسية لمحافظة شمال غزة، ما يُهدد حياة الفلسطينيين المتواجدين هناك.
وأكد الدفاع المدني أن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر البنية التحتية في محافظة الشمال، ما جعل عملية الانتقال خلالها أمراً شبه مستحيل، وهذا يعيق تحرك فرق الإنقاذ، ويُصعب عمليات تزوح المواطنين.
بينما أكدت بلدية جباليا أن جميع آبار المياه العاملة في جباليا توقفت وخرجت عن الخدمة، وما تبقى بئرين فقط، ينتجان كميات محدودة من المياه، وكلاهما مهدد بالتوقف خلال وقت قريب.
وأفاد مواطنون بأن الاحتلال يواصل تدمير كل مقومات الحياة في مخيم جباليا، ويُدمر مصادر المياه وخطوطها، ويُجرف الأسواق، ويحرق بعض المخازن التي مازال بها مواد غذائية، ويستهدف أي مركبة تتحرك في محيط المخيم.
وبحسب الدفاع المدني ووزارة الصحة، فإن الاحتلال يواصل حصار المستشفيات، في مناطق شمال القطاع، ويعمل على تفريغها من المرضى والطواقم الطبية، ويواصل قصفها، كما حدث في مستشفى اليمن السعيد.
صمت دولي
وتسير الجرائم والمجازر الإسرائيلية في مناطق شمال القطاع، تحت صمت دولي مطبق، ودون أي تحرك دولي لمحاولة وقفها، رغم إصدار تقارير ومعلومات صادمة، من مؤسسات أممية، من بينها وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، التي أكدت أن الأوامر الأخيرة بالإخلاء الصادرة عن "السلطات الإسرائيلية" تجبر الناس على الفرار مرة تلو الأخرى، خاصة من مخيم جباليا، وكثيرون يرفضون الإخلاء لأنهم يعرفون جيدًا أنه لا يوجد مكان آمن في غزة.
وأوضحت "الأونروا"، أن ملاجئ الأونروا وخدماتها تُجبر على الإغلاق، بعضها لأول مرة منذ بدء الحرب، مع ندرة الإمدادات الأساسية، ينتشر الجوع ويتفاقم من جديد.
وأكدت "الأونروا"، أن العمليات العسكرية المستمرة والغارات الجوية المتواصلة على شمال غزة تؤثر بشكل كبير على السكان، موضحة أنه وخلال يومين فقط (8 و9 تشرين الأول/أكتوبر)، تم تسجيل 118 هجوماً في المنطقة، مقارنة بـ 140 هجوماً خلال شهر أيلول بأكمله.
بينما حذر مواطنون من مخاطر اعتياد العالم على جرائم الاحتلال وتراجع الحراك الدولي الضاغط على الاحتلال من أجل وقف العدوان.
وقال المواطن أكرم جراد، إنه توقع أن ما يحدث في شمال القطاع سيحرك ضمائر العالم، ويخلق حالة ضغط من أجل وقف جرائم الاحتلال، لكنه لم يشعر اأن ثمة تحرك فاعل من أجل حتى تجريم الاحتلال.
وأكد جراد أن الاحتلال اختار توقيت سيء للفلسطينيين، واستغل بشكل واضح انشغال العالم بجبهة لبنان، وصعد هجومه على قطاع غزة، ونفذ جريمته الحالية في منطقة جباليا شمال القطاع، معرباً عن خشيته من تصاعد العدوان وتوسيع رقعته في مناطق شمال القطاع خلال الفترة المقبلة.
كتب: محمد الجمل