دخلت حرب التجويع الإسرائيلية ضد قطاع غزة مرحلة جديدة أكثر صعوبة، بعد تشديد الاحتلال حصاره على القطاع، ومنع إدخال السلع والبضائع، خاصة لمناطق الشمال.
وانقسمت حرب التجويع الجديدة في القطاع لقسمين، الأول في شماله، حيث منع الاحتلال إدخال جميع أنواع المواد الغذائية بشكل كامل منذ بداية الشهر الجاري، وفرض حصار شامل على تلك المناطق، خاصة مخيم جباليا.
أما القسم الآخر وانحصر في مناطق وسط وجنوب القطاع، عبر فرض قيود مشددة على دخول المواد الغذائية، ومنع توريد السلع الأساسية الهامة، مثل السكر، الطحين، زيت الطعام، والرز، بحجج وذرائع متعددة، ما تسبب بشح المواد الغذائية في الأسواق، وارتفاع أسعارها على نحو غير مسبوق، وهذا أضر بالمواطنين الفقراء.
تعميق مجالعة شمال القطاع
وخلال الأيام الماضية، تعمقت المجاعة بشكل كبير في مناطق شمال القطاع عامة، ومناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون على وجه التحديد.
فمنذ بداية الشهر الجاري، منعت قوات الاحتلال وصول المساعدات والمواد الغذائية والوقود بشكل كامل إلى جميع مناطق شمال القطاع، وحاصرت مناطق واسعة، وفرضت على السكان إجراءات جديدة، وسط تصاعد المجازر في تلك المناطق.
وأكدت مصادر محلية أن الوضع في محافظتي غزة وشمال القطاع يزداد صعوبة مع مرور الوقت، والضغط يزيد على المواطنين، من أجل إجبارهم على النزوح جنوباً، لاسيما مع رفض السكان النزوح.
ووفق نشطاء يقيمون في مناطق شمال القطاع، فإن أسعار الخضروات ارتفعت بشكل كبير، وبدأت السلع التموينية تشح، خاصة الطحين، والسكر، والزيت وغيرها.
ويقول المواطن محمد هاشم إنه نزح عن شمال القطاع قبل عدة أشهر حين اشتدت المجاعة وقت ذاك، والآن يتكرر السيناريو في تلك المناطق بشكل أعمق، والاحتلال يُشدد الخناق والحصار على جميع المناطق في شمال القطاع.
وأكد هاشم لـ"فلسطين بوست"، أن والده يتواصل مع أقرباء وأصدقاء يقيمون في مدينة غزة، أكدوا أن الحصار والتجويع لا يقتصر على بلدات شمال القطاع، وإنما امتد ليشمل مدينة غزة، ولا يصل الأسواق أية سلع، ولا يتم توزيع أية مساعدات، كما أن معظم المخابز توقفت عن العمل، والوضع بات كارثياً.
وأكد الدفاع المدني في قطاع غزة، أن الاحتلال يمنع منذ أكثر من 15 يوماً وصول المساعدات والأدوية، وغيرها من المستلزمات لمناطق شمال القطاع، بالتزامن مع تدمير متعمد لكل مقومات الحياة في تلك المناطق، بما في ذلك آبار المياه، والأسواق، وشبكات الطرق والمواصلات، ومخازن السلع التموينية، وغيرها.
ولم تنجح كل هذه الجرائم في دفع سكان شمال القطاع على النزوح، ما شكل أكبر فشل إسرائيلي في تطبيق ما بات يعرف بـ"خطة الجنرالات"، وهي خطة إسرائيلية تهدف لتهجير شكان شمال القطاع باتجاه جنوبه، وقد رفض سكان شمال القطاع النزوح، وقاوموا كل إجراءات التجويع والمجازر.
مجاعة يرعاها لصوص!
وفي مناطق جنوب ووسط القطاع، لا يبدو الأمر مختلفاً من حيث التجويع، لكن الأساليب اختلفت بعض الشيء، حيث تفاقمت معاناة المواطنين والنازحين بشكل كبير، مع فرض الاحتلال قيود مشددة على دخول السلع، بحجج وذرائع مختلفة، أبرزها ما يسمى بـ"الأعياد اليهودية"، التي تذرع الاحتلال بها لإغلاق المنفذ التجاري باتجاه جنوب القطاع.
ومن بين أساليب الاحتلال للتضييق على سكان جنوب ووسط القطاع، السماح لعصابات منظمة من اللصوص بالعمل في مناطق خطرة، وتسهيل عملية السطو على شاحنات المساعدات وسرقتها، وفي نفس الوقت قصف أي قوة أمنية فلسطينية تحاول الوصول لتلك المناطق لتأمين المساعدات.
فقد اتخذ هاربون من السجون، بعضهم صدرت بحقهم أحكام عالية، منها إعدام من شارع صلاح الدين، ومناطق شرق رفح أماكن لتواجدهم، حيث يقومون بسرقة شاحنات المساعدات التي تصل للقطاع، وهي في الأصل مخصصة للتوزيع على النازحين.
وقال مصدر في مؤسسة إغاثية، إن أغلب المساعدات التي تصل من خلال معبر كرم أبو سالم يتم سرقتها، والسرقة حالياً تتم بطريقة منظمة، حيث يتم إجبار الشاحنات على التوقف، ومن ثم اقتيادها مع سائقيها لمناطق تواجد المخازن الخاصة باللصوص، ومن ثم إفراغ حمولة الشاحنات، وأحياناً يتم سرقة الوقود من خزانات الشاحنات، عدا كمية محدودة، تتيح لسائق الشاحنة العودة إلى مدينة خان يونس.
ووفق عدة مصادر فإن هؤلاء اللصوص يُشكلون أكبر خطر على المجتمع، ويقود بعضهم عصابات منظمة، تضم عشرات المسلحين، تُهاجم شاحنات المساعدات.
وأكد عدد من النازحين لـ"فلسطين بوست"، أن ظاهرة اللصوص التي يرعاها الاحتلال ويفر حماية لهم، هي عملية مقصودة، تهدف إلى تعميق الأمات في القطاع، فقد أصبح هؤلاء الصوص يشكلون خطراً محدقاً على الجميع، ويمسون بشكل صريح بالحالة الأمنية، ويُعرضون الأمن الغذائي للنازحين لخطر شديد، وقد أسهموا في خلق أزمات، عل آخرها أزمة الطحين، فحتى الآن لم تستطع وكالة الغوث "الأونروا" توزيعه على النازحين، بسبب سرقة الشاحنات أولا بأول، ومن يحتاج تلك السلعة عليه شرائها من السوق بأسعار عالية، تصل إلى 80 شيكل للشوال الواحد وزن 25 كيلو.
ويقول المواطن إبراهيم نصار، إنه يشعر بأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دخلت مرحلة جديدة أكثر خطورة، والاحتلال بدأ يتغول على سكان القطاع، ويُصعد جرائمه بشكل غير مسبوق، ويرتكب أبشع المجازر وأكثرها دموية، ويستخدم التجويع كسلاح صريح لتحقيق أهداف الحرب، متجاهلا كل القوانين والأعراف الدولية.
وأكد نصار لـ"فلسطين بوست"، أن ما يحدث في غزة عملية مُنسقة ومدروسة، فالاحتلال يستخدم كل أذرعه لزيادة الضغط على السكان، فبينما يدعي أنه يسمح بمرور المساعدات لمناطق جنوب ووسط القطاع، يسمح للصوص بسرقتها، ويفرض قيود على دخول البضائع، ويسهم في ظاهرة الاحتكار من خلال بعض التجار المتعاونين معه، وقد اثبتت تحقيقات الجهات الأمنية ذلك.
وتحاول الجهات الأمنية في قطاع غزة ضبط الأمر، ومحاربة الظاهرة، لكن كلما حاول عناصرها الاقتراب من شارع صلاح الدين، حيث يتواجد اللصوص، يتم استهدافهم من قبل طائرات الاحتلال وقتلهم.
وبات عناصر من الشرطة، يلاحقون تجار يشترون بضائع ومساعدات مسروقة من اللصوص، ويعملون على مصادرتها، في محاولة لتضييق الخناق على اللصوص.
تحدي للمجتمع الدولي
ومازالت "إسرائيل"، تتجاهل كل الدعوات الدولية والأممية التي طالبتها بوقف سياسة التجويع، والسماح بإدخال المساعدات والمواد الإغاثية لقطاع غزة، خاصة شمالهـ وتتحدى المجتمع الدولي بأسره عبر استمرار هذه السياسة.
وأكد مقررون أمميون أن سياسة التجويع في قطاع غزة مخالفة تماماً لكافة المواثيق والأعراف الدولية، وتمثل انتهاك صارخ لمبادئ حقوق الإنسان.
حيث أكدت منظمة "أوكسفام"، و37 وكالة إغاثة عالمية، في بيان أصدرته مؤخراً أن شمال غزة يتعرض للمحو، ويجب على قادة العالم إنهاء "الفظائع" التي ترتكبها "إسرائيل" على الفور.
وأوضحت المنظمات أنه لا ينبغي إجبار المدنيين على الفرار لتلقي المساعدات، ويجب حماية الذين يختارون البقاء في منازلهم بموجب القانون الدولي.
وأكدت المنظمات الدولية أن اسرائيل لم تسمح بدخول أي طعام إلى شمال غزة وتُعرّض المدنيين للتجويع وتقصفهم في منازلهم وخيامهم، مؤكدة أنه لا يمكن للعالم أن يستمر في الوقوف مكتوف الأيدي، بينما ترتكب الحكومة الإسرائيلية الفظائع.
كتب: محمد الجمل