دخل العدوان الإسرائيلي المُستمر على محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، شهره السابع، ومازال الاحتلال جاثماً على المحافظة، يحتل جميع أحيائها ومخيماتها، ويُسطر على طول محورها الحدودي "فيلادلفيا"، ويُغلق معبرها منذ 180 يوماً، ويمنع تنقل المسافرين من خلاله، ويحول دون وصول السلع والمُساعدات الى القطاع، والتي كانت تدخل من خلال المعبر.
كما يواصل الاحتلال منع أكثر من مليون شخص من سكان رفح والنازحين إليها بالعودة لبيوتهم وخيامهم ومراكز الإيواء التي كانوا يعيشون فيها، بل واستهداف كل من يحاول الوصول لمنزله في المحافظة.
وسجل احتلال المدينة رقماً قياسياً من بين جميع المناطق التي شهدت عمليات عسكرية داخل غزة، فمحافظة خان يونس المُجاورة، لم تدم العملية العسكرية فيها أكثر من 4 أشهر، وكذلك مدينة غزة، ومناطق أخرى في القطاع.
قتل وتدمير
وتتواصل جرائم الاحتلال في قلب محافظة رفح للشهر السابع على التوالي، فلم يكتف الاحتلال بتدمير معظم أحياء المدينة، وقتل المئات من سكانها، إذ باتت طائراته المُسيرة، تنتظر العائدين الى بيوتهم عند مداخل المحافظة الشمالية، وتقتلهم حتى قبل الوصول لمنازلهم.
ووفق الدفاع المدني وفرق إنقاذ، فإنه ورغم مرور 180 يوم على العدوان على رفح، فهناك بلاغات يومية عن غارات وقصف يستهدف مواطنين يحاولون العودة لرفح بشكل يومي، وهناك شهداء يسقطون باستمرار، خاصة في المناطق الشمالية، وللأسف أغلب من يحاولون دخول المدينة يتم استهدافهم، فحتى النساء لم يعدن يتمتعن بالحصانة من الاستهداف، وثمة مناشدات للمواطنين بعدم دخول رفح، سواء رجال كانوا أو نساء.
المواطن بلال الجمل، وهو نازح في منطقة مواصي خان يونس، أكد أنه فقد شقيقه ووالده، بعد أن توجها لرفح من أجل جلب أغطية وفراش للعائلة التي تُقيم في خيمة على شاطئ البحر، فقامت طائرة إسرائيلية باستهدافهما في حي التنور شرق مدينة رفح.
وأكد الجمل لـ"فلسطين بوست"، أنهم وبعد 4 أيام انتشلوا بقايا جثمان والده الذي نهشته الحيوانات الضالة، بينما مازال جثمان شقيقه خليل مفقود، لم يتم انتشاله حتى الآن.
وأشار إلى أن والده وشقيقه استشهدا برفقة عدد من جيرانهم، ليلتحقوا بجارهم أحمد الصبيحي، الذي دخل حي التنور وفقدت آثاره، موضحاً أن المئات من سكان رفح دخلوا المدينة وجرى قصفهم، وقتلهم بدم بارد، ومازال الاحتلال يُمارس القتل على كل من يُحاول دخول رفح.
وقال الجمل: " إن الأصعب في الأمر أن الناس اشتاقت لبيوتها، وكل من يحاول الوصول إلى رفح لتفقد منزله، يتم استهدافه وقتله، حتى تحولت مدينة رفح إلى مقبرة لأهلها، تحتضن شوارعها مئات الجثامين، التي لم يتم انتشالها حتى الآن".
ولم تقتصر عمليات القتل على الرجال، اللذين جرى قتل وفقدان أكثر من 1500 منهم داخل رفح، إذ باتت الطائرات تستهدف السيدات، اللواتي يحاولن الوصول لبيوتهن، لجلب بعض الحاجيات.
وشهد الأسبوعان الماضي والحالي، استهدافات متعمدة لسيدات داخل رفح، خاصة بلدة خربة العدس، أسفرت عن سقوط عدد من الشهيدات، كان آخرهن المواطنة، نادية لطفي السيد، التي استشهدت برفقة الطفلين ياسر محمد لطفي السيد، فراس هشام حماد، ومن قبلها سيدة من عائلة غنام، وقبل ذلك 4 سيدات من عائلة العرجا، وغيرهن الكثير.
تدمير واسع
كما يُواصل الاحتلال تدمير مدينة رفح بشكل ممُنهج، ومُستمر، وتنتقل عمليات التدمير من حي لحي، ومن منطقة لأخرى.
وأكد المواطن إبراهيم شقفة، أن الوضع في رفح يسوء يوماً بعد يوم، والاحتلال عازم على تدمير المدينة، وعدم ترك منطقة أو منزل إلا ويسويه بالأرض، والدليل على ذلك ما أكده الاعلام العبري، بجلب شركات خاصة، متخصصة في عمليات التدمير، حيث تعمل الأخيرة منذ عدة أسابيع، وتواصل هدم البيوت في رفح، وتنتقل من حي إلى حي، ومن منطقة إلى أخرى.
وأوضح شقفة أن كل ما يحدث على الأرض لا يشير إلى نية الاحتلال الانسحاب من المدينة خلال الفترة القريبة القادمة، خاصة محور صلاح الدين، الذي شهد إنشاءات، وبناء مواقع جديدة، وآخر تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتنياهو، تؤكد عزم الاحتلال البقاء في رفح، وهذا أمر مُحزن، قد يؤخر عودة الناس الى مدينتهم التي اشتاقوا إليها.
ويتواصل حاليا التدمير في حي الجنينة شرق رفح، والذي يقطنه نحو 70 ألف نسمة، ويحتل مساحة 25% من مدينة رفح، ويضم آلاف البنايات معظمها متعددة الطبقات، أُجبر جميع سكانه على مغادرته قسراً في شهر أيار الماضي.
ووفق مصادر مطلعة، تتواصل عمليات التدمير الممنهجة للحي المذكور، خاصة في شارع "الفالوجا"، وشارع "الجامعة"، ومحيط برج "عوض"، وغيرها من المناطق.
وقال المواطن عبد الرحمن سلامة، ويقطن وسط الحي المذكور، إنه يتابع ما يحدث في حي الجنينة، الذي يتعرض لدمار واسع للشهر الثالث على التوالي، ويشاهد صور الأقمار الاصطناعية من داخل الحي، وكذلك صوراً ينشرها جنود الاحتلال، وفي كل يوم يكتشف اتساع عمليات التدمير، وامتدادها نحو الشمال والشرق، وكأن الاحتلال عازم على أن يمحو الحي عن الخارطة، كما فعل في حي تل السلطان من قبل.
وأكد سلامة لـ"فلسطين بوست"، أن الاحتلال يستخدم من أجل إكمال مهمة التدمير في الحي عدة أساليب، منها الملالات المتفجرة، التي يضعها في قلب المناطق المأهولة، ويقوم بتدميرها عن بعد، والجرافات الكبيرة خاصة من نوع "D9"، ذات القوة التدميرية الكبيرة، إضافة للقصف من الجو، باستخدام صواريخ وقنابل كبيرة.
ونشر نشطاء مؤخراً صوراً لشارع الجامعة، استطاع أحد المواطنين الوصول إليه والتقاطها، وبدا جحم الدمار في الحي كبيراً، وتحولت مئات المنازل فيه إلى اكوام من الركام.
ولفت إلى أنه وبعد أن علم أن منزله تعرض للتدمير في الحي، بدأ يتأهب ويهيئ عائلته للسكن الطويل في خيمة، ويستعد لنصب خيمة دائمة بجانب ركام المنزل، فيبدو أن حياة الخيمة التي عاشها أجداده إبان النكبة، سيعيشها الأحفاد، بسبب ذات المحتل.
إغلاق المعبر
ومازال معبر رفح الحدودي مع مصر مُغلق بشكل كامل منذ السادس من أيار الماضي، بعد سيطرة جيش الاحتلال عليه، ورفع علم إسرائيل على مبانيه، التي جرى إحراق وتدمير بعضها في وقت لاحق.
وتسبب إغلاق المعبر المذكور في منع حركة المسافرين في كلا الاتجاهين، ووقف دخول السلع والبضائع والمساعدات الإنسانية، التي كانت تصل القطاع من خلاله، كما أدى هذا الإغلاق في احتجاز نحو 100 ألف مواطن في مصر، كانوا سافروا خلال الحرب وقبلها، وحال كذلك دون سفر المواطنين والجرحى، ممن هم بحاجة ماسة للسفر والعلاج.
ومازال مئات الآلاف من المواطنين الراغبين بالسفر ينتظرون حدوث انفراجة على عمل المعبر، تمكنهم من المغادرة أو العودة للقطاع، لكن هذا لا يبدو قريباً، في ظل استمرار الاحتلال في السيطرة على المعبر، ورفض مصر فتحه في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الاخر من المعبر.
وقال المواطن عبد الله حمد، إن نصف عائلته غادرت القطاع في شهر مارس/آذار الماضي، من خلال معبر رفح، حين كان مفتوحاً، وكان من المفترض أن تلحق بهم بقية العائلة، لكن فجأة حدث العدوان على رفح، وأُغلق المعبر، وتشتت شمل العائلة، لا هم قادرين على العودة للقطاع، ولا من بقي في القطاع يستطيع السفر الى مصر ليلتم شمل العائلة هناك.
وأكد حمد لـ"فلسطين بوست"، أنهم يعيشون وضع قاسي، مشتتين، وينتظرون حدوث انفراجة على معبر رفح، لكنه يعتقد أن هذا لازال بعيداً، خاصة في ظل تعنت الاحتلال ورفضه الانسحاب من رفح، وإصراره على مواصلة عملياته العسكرية في المدينة الحدودية.
ووفق وزارة الصحة فإن إغلاق المعبر لستة أشهر كاملة، تسبب في مفاقمة معاناة المرضى والجرحى، جراء منعهم من السفر، وقد توفي المئات منهم، حيث كان بالإمكان انقاذ حياتهم، حال فُتح المعبر، وسُمح لهم بالوصول لمشافي عربية أو أجنبية، فيها إمكانات طبية، خاصة مرضى السرطان، ممن يعانون فقد كامل للعلاجات الخاصة بهم، خاصة بعد تدمير المستشفى الوحيد في غزة المُخصص لعلاج مرضى السرطان، وإخراجه عن الخدمة.
كتب: محمد الجمل