دفع أطفال قطاع غزة الفاتورة الأكبر للعدوان الإسرائيلي المستمر منذ 253 يوماً، حيث استشهد وأصيب منهم عشرات الآلاف، وتعرضوا للأمراض، والنزوح، والجوع، وفقدوا أفراداً من عائلاتهم.
ومازال الأطفال يعانون من الحرب وتبعاتها، التي أثرت على مختلف مناحي حياتهم، وجعلتهم يعانون الأمرين، وأفقدتهم حقوقاً أساسية كفلتها لهم القوانين الدولية.
أرقام صادمة
وأظهرت أرقام صادمة نشرتها جهات الاختصاص في القطاع، مدى معاناة الأطفال، وتحولهم للضحية الأبرز للعدوان، فقد ارتفع عدد الأطفال الشهداء إلى 15.694 طفلاً، إضافة لإصابة أكثر من 34 ألف طفل، وفقدان 3600 طفل آخرين، لا يُعرف مصيرهم حتى اللحظة.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن ثمة أكثر من 1500 طفل فقدوا أطرافهم أو عيونهم، أو أصيبوا بعاهات مستديمة بسبب الإصابة، وسيعانون تبعات الإصابة باقي حياتهم، وبحاجة إلى تأهيل في مراكز متخصصة.
وبحسب الأرقام والمعطيات الجديدة، فإن نحو 17 ألف طفل أصبحوا أيتام، 3% منهم فقدوا كلا الأبوين، كما أن ثمة نحو 200 طفل من غزة مازالوا مختطفين لدى قوات الاحتلال، لا يعرف مصيرهم، ولا يسمح للجهات الحقوقية بالوصول إليهم، أو الحصول على اية معلومات عنهم.
أما عن النزوح، فأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن نحو 700 ألف طفل نزحوا قسراً عن أماكن سكناهم، معظمهم يعيشون في خيام حياة بائسة، وثمة 98% من أطفال غزة لا يجدون مياه صالحة للشرب، ويحصلون على أقل من 3 لترات يومياً من المياه، كما أن ثمة 650 ألف طفل فقدوا منازلهم وأصبحوا بلا مأوى، بعد أن دمرتها قوات الاحتلال خلال العدوان.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن هناك 625 ألف طفل أجبرهم العدوان الإسرائيلي على ترك مقاعد الدراسة منذ أكثر من 8 أشهر، حتى ضاع العام الدراسي كلياً عليهم.
وعلى صعيد الأمراض، فإن هناك 3500 طفل مصابون بأمراض مزمنة، معرضون للموت بسبب سوء التغذية، وعدم توفر العناية الطبية اللازمة، وهناك 60 ألف جنين في بطون أمهاتهم معرضون للإجهاض أو الموت، أو التشوهات الخلقية، بسبب تأثيرات القنابل والمتفجرات، وثمة نحو 40 ألف طفل رضيع لم يحصلوا على التطعيمات اللازمة بشكل منتظم، ما يهدد مستقبلهم الصحي، و82 ألف طفل ظهرت عليهم أعراض سوء التغذية، 35% منهم يعانون أعراض حادة، و33 طفل فقدوا حياتهم بسبب المجاعة، التي مازالت تتفشى خاصة في مناطق شمال القطاع.
والأخطر من كل ما سبق أن ثمة نحو 450 ألف طفل معرضون للإصابة بسرطان الصدر، وأمراض الجهاز التنفسي، بسبب اعتماد العائلات على حرق مخلفات الركام، لإعداد الطعام، كما أن جميع أطفال غزة باتوا معرضون للإصابة بالأوبئة والأمراض المختلفة، بسبب انعدام مقومات النظافة الشخصية، والاكتظاظ في مناطق النزوح والإيواء.
وكشفت معلومات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي أن جميع أطفال غزة يعانون صدمات ومشاكل نفسية بدرجات متفاوتة، منها مشكلات سلوكية، كالخوف، القلق، الاكتئاب، بسبب العدوان.
فيما كشف آخر تقرير للأمم المتحدة ارتفاع صادم في الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في الأراضي الفلسطينية عامة، وقطاع غزة على وجه التحديد، حيث تجاوزت نسبة الانتهاكات المذكورة 155%، بينما مازال الأطفال يعانون العواقب الوخيمة للحرب.
في حين قال المفوض العام لوكالة الغوث الدولية "الاونروا"، إن الأطفال مازالوا يعانون من صدمات عميقة، حيث دُمرت مدارسهم وفقدوا عاماً دراسياً كاملا، بدون تعليم أو لعب.
مستشفيات مكتظة بالجرحى الأطفال
وبدا الوضع في مستشفيات غزة كارثياً، إذ تكتظ ما تبقى من مستشفيات بالجرحى الأطفال، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم بضع سنوات.
وعلى أحد الأسرة في مستشفى غزة الأوروبي بمحافظة خان يونس، كانت طفلة تصرخ من شدة الألم، بعد أن أصيبت بشظايا أدت إلى تهتك ذراعها.
وقال والدها عبد الله عمر لـ"فلسطين بوست"، إن ابنته أصيبت بشظية جراء قصف منزل مجاور، ومنذ أسبوع تصرخ من شدة الألم، ويحاول تهدئتها.
ولفت إلى أن المستشفى مليء بالأطفال المصابين، والوضع هناك كارثي، وبعض الأطفال مبتوري الأطراف.
وفي غرفة مجاورة كان يجلس طفل مصاب بكسور في قديه، وآخر مبتور اليد، وثالث مبتور القدم.
وأكد أطباء في مستشفيات غزة، أن هناك مئات الأطفال مصابون بجروح بالغة الخطورة، يحتاجون للسفر للخارج من اجل العلاج، وحياتهم باتت مهددة، والاحتلال يرفض خروجهم، مع استمرار اغلاق معبر رفح، للشهر الثاني على التوالي.
الأطفال يعانون صدمة النزوح ويطالبون بالعودة لحياتهم
ومازال عشرات الآلاف من الأطفال من أجبروا وعائلاتهم على النزوح عن مساكنهم عنوة، وزجوا في مناطق خالية تفتقد لمقومات الحياة، ويعيشون في خيام، يعانون مرارة وصدمة النزوح، ويطالبون باستمرار بالعودة إلى بيوتهم، وحياتهم القديمة.
وبدت حياة الأطفال في مخيمات النزوح قاسية، إذ ينامون في خيام ملتهبة، ويفتقدون ابسط حقوقهم، ويعانون الأمراض والخوف، ويتنقلون برفقة عائلاتهم من مكان لآخر، بحثاً عن الماء والأمن.
ويقول المواطن أحمد سرحان، إنه وحتى العاشر من أيار الماضي، كان يعيش وعائلته في منزلهم في مخيم رفح حياة شبه طبيعية، رغم الحرب والدمار، الأطفال ينامون في غرفهم، ويحصلون على المياه من الصنبور، ويتناولون طعامهم بشكل لائق، لكن منذ أن نزحوا إلى مواصي خان يونس، انقلبت حياتهم رأساً على عقب، فالمياه شحيحة، والعائلة تنام كلها في خيمة مكتظة على الرمال، وسط نقص حاد في الفراش والأغطية، وهذا الحال لم يستطع الأطفال التأقلم عليه.
وأكد سرحان لـ"فلسطين بوست" أن أبنائه الثلاثة اللذين تقل أعمارهم على 14 عام، يلحون مطالبين بالعودة إلى المنزل، ويرفضون العيش في الخيمة، ويعانون صدمة من الوضع الجديد.
ولفت إلى أنه يحاول النزول عند مستوى تفكيرهم، ويخبرهم بأنهم أُجبروا على ترك البيت، وأن العودة إليه أمر خطير، وأن حياة النزوح مؤقتة، لكنهم يرفضون تقبل الوضع الجديد.
بينما قال المواطن عبد الله الشاعر، إنه نزح من مدينة غزة إلى رفح في شهر نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، وأقام عند بعض الأقارب في غرفة كبيرة، وبصعوبة وبعد عدة أشهر تقبل أطفاله الوضع الجديد، وبدؤوا بالتأقلم معه، لكنهم اضطروا للنزوح مرة أخرى من رفح باتجاه مواصي خان يونس، ويعيشون في خيمة صغيرة، وسط شح في المياه وكل الخدمات، الأمر الذي رفض أبنائه تقبله، رغم محاولاته اقناعهم.
وأكد لـ"فلسطين بوست" أن أطفاله يرفضون الواقع الجديد، ويطالبونه بالعودة إلى بيتهم في مدينة غزة، حتى لو ماتوا وهم يحاولون الرجوع، لافتاً إلى أن حياة النزوح طالت، ولم يعد الأبناء يتقبلونها.
كتب: محمد الجمل